ابحث في الموقع

عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (17)

عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (17)
عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (17)

بقلم: نزار حيدر

الغَيْبُ

لِماذا لمْ تتكرَّر عاشُوراء؟!.

لا أُريدُ أَن أُجادِلَ في البُعدِ الغيبي الذي يلجأُ إِليهِ العاجزونَ لاختصارِ المسافةِ وإِنهاءِ الجِدالِ {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ} كما أَمرنا القُرآن الكريم، وإِنَّما أُريدُ أَن أَبحثَ في السُّؤَالِ بالبُعدِ التَّحليلي والتَّفسيرِ العقلي والمنطقي والذي اهتدى بهِ العُلماء والفُقهاء والمُفكِّرونَ والباحثونَ المُتنوِّرُونَ، ممَّن تصدَّوا للإِجابةِ على السُّؤَال بعقليَّةٍ مُنفتحةٍ وحريصةٍ في آنٍ واحدِ، إِلى أَن يسبرُوا أَغوار الحدَث.
التَّفسيرُ الغَيبي لا يمنحكَ فُرصةَ التعلُّمِ من الحدَث، أَمَّا التفسيرُ العقلي والمنطقي فيفتحُ لكَ منافِذَ كثيرةً لتعلُّمِ الدُّروسِ المُنتقاةِ!.
ولتوضيحِ ذلكَ يلزَمنا أَن نُقدِّم المُلاحظات التَّالية:

أ/ هذا السُّؤَال ينطبِقُ على العديدِ من الأَحداثِ المفصليَّةِ في التَّاريخِ خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بتاريخِ أَئمَّةِ أَهلِ البيتِ (ع) كما هوَ الحالُ في موضوعِ تركِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) للخلافةِ بعدَ رحيلِ رسولِ الله (ص) و [صُلح الإِمام الحَسن السِّبط (ع] وتسليمهِ [الخِلافة] لطاغيةِ الشَّام مُعاوِية، فإِذا أَردنا أَن نُرجِعَ كُلَّ حدثٍ من هذهِ الأَحداث إِلى الغيبِ، إِذن، لم يعُد أَمامنا أَيَّ مُتَّسعٍ للحوارِ والنِّقاشِ والتفكُّرِ والتأَمُّلِ في كُلِّ ما يخصُّ الحدثَ، فلا نُناقش في ظرُوفهِ ولا نُجادل في مُعطياتهِ أَو نبحثَ في خلفيَّاتهِ ولا نسأَل عن مُقدِّماتهِ، فالجوابُ بالغيبِ المُطلقِ يمنعُ البحثَ العلمِي والمنطقِي والغَوصَ في تفاصيلهِ ونتائجهِ، ولا يمنَح المُفكِّر في أَن يخوضَ في الموضوعِ ويغوصَ في أَعماقهِ بتجاوُزِ اللَّامُفكَّر فيهِ ودخول المساحات المُحرَّمة في الحوارِ والنِّقاشِ والبحثِ وطرحِ الأَسئلةِ القاسيَةِ المُحالة و [المُستحيلة] وهوَ الأَمرُ الذي يُنتج عادةً حالات التعصُّب الأَعمى والتطرُّف التي تُصاب بها المُجتمعات خاصَّةً الدِّينيَّةِ منها.

ولذلكَ نُلاحظ، وللأَسف الشَّديد، أَنَّ ما تمَّ تأليفهُ وإِنتاجهُ عن عاشوراء لا يتعدَّى في أَغلبهِ العواطِف والمشاعِر وتِكرار الجُزئيَّات والتَّفاصيل التي زيدَ عليها ما لا يُعدُّ ولا يُحصى من القَصصِ والخُرافاتِ والأَحلامِ حتَّى حوَّلت هذا المُنعطف التَّاريخي الخطير في حياةِ الأُمَّةِ إِلى بُكائيَّةٍ فقط خاليةً من الفكرِ والثَّقافةِ والعقلانيَّةِ والمنطقِ والدُّروسِ والتَّجاربِ والتَّشريعاتِ، فالتَّفسيراتُ الغَيبيَّةُ، كما نعرِف، تُسقِطُ التَّكليفَ عن المُكلَّفِ.
ولِلفتِ النَّظر فإِنَّ الرُّكون إِلى التَّفسير الغيبي غطاؤُهُ عادةً [القُدسيَّة] والهدفُ من ذلكَ تحويلُ الحدَث إِلى لَوحةٍ تُعلَّقُ على الجِدرانِ من غَيرِ المسمُوحِ لأَحدٍ أَن يضعَ لمستهُ [الفنيَّة] عليها فذلكَ تجاوُزٌ على [المُقدَّس]!.

ب/ إِنَّ كُلَّ حياتِنا وبكلِّ تفاصيلِها يتدخَّل فيها الغيبُ، إِلَّا أَنَّ الله تعالى أَخفى عنَّا التَّوقيت والكيفيَّة حتى نجتهِد ولا نتَّكِل فنُبرِّر! ولعلَّ في قصَّة نبيَّ الله يوسُف (ع) دليلٌ واضحٌ على ذلكَ {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فإِذا أَردنا أَن نقفَ عندَ الغَيبِ فقط في حياتِنا اليوميَّة فلم يعُد بإِمكانِنا أَن نقفَ عند أَسباب الهزيمةِ مثلاً فندرُسها لنتجنَّبها وعوامل الإِنتصار لنَستوعِها فنُكرِّسها! أَو عندَ أَسباب الفشَل ومقوِّمات النَّجاح! وكأَنَّ حياتَنا مرسومةٌ سلفاً فالنَّاجحُ يولدُ لهذهِ الحياةِ وهوَ ناجحٌ والفاشِلُ يخرجُ من بطنِ أُمِّهِ وهو فاشلٌ، والأَديبُ والعالمُ ورائد الفضَاء والفقيهُ والمُهندسُ والشحَّاذُ وغيرهُم وغيرهُم يولَدونَ بهذهِ الحالِ!.
هل يعقلُ ذلكَ؟!.
إِذن، لا ينبغي لنا أَبداً أَن نرهنَ حياتَنا وطريقةَ تفكيرِنا واستنتاجاتِ بحوثِنا بالغَيبِ، فإِنَّ ذلكَ يحصرَنا في صندُوقٍ مُغلقٍ ولا يمنحَنا أَيَّة فُرصة للفهمِ والوعي والإِستيعابِ وهيَ حجَر الزَّاوية في عمليَّات التَّغيير التَّاريخي والتبديلِ والإِصلاحِ.
والطَّريقةُ هذهِ تُحطِّم مبدأ التَّنافُس الذي يُنتِجُ عادةً عمليَّات التطوُّر الكُبرى في تاريخِ البشريَّةِ {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

يوصي أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في التَّنافُسِ على الخِصالِ الحميدةِ والأَخلاقِ الرَّفيعةِ بعدَ أَن يذكرها ويُعدِّدها في [أَخٍ كانَ لهُ قد فقدهُ] {فَعَلَيْكُمْ بِهَذِه الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وتَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِير}.
الفاشلونَ فقط والعاجزونَ هم الذين يرمُونَ بفشلهِم على [الغيبِ] ليلومونهُ فيحمِّلونهُ كُلَّ أَسبابِ عجزهِم في إِنجازِ شيءٍ أَو تحقيقِ نجاحٍ ما.

ج/ الآخَرُ لا يفهَم تفسيركَ الغيبي للأَحداث، فلَو كانَ قد استوعبهُ لآمنَ بأَصلِ القصَّةِ وجَوهر القضيَّة.
إِنَّ التَّفسيرات الغيبيَّة شأنٌ شخصيٌّ سواءً للإِنسانِ الفرد أَو الانسان المُجتمع، فقد يُؤمنُ [الشِّيعي] بالتَّفسيرِ الغيبيِّ لعاشوراء لأَنَّهُ بالأَساس يعتقدُ بها، وقد يُؤمن [الشِّيعة] بذلكَ لأَنَّ القضيَّة جزءٌ من مُعتقداتهِم، أَمَّا الآخر من بقيَّةِ المِللِ والنِّحلِ، أَمَّا البشريَّة التي تتوقَّ لمعرفةِ جَوهر عاشوراء فبحاجةٍ إِلى تفسيرٍ منطقيٍّ وعقليٍّ وعلميٍّ قد يمتزجُ بالغيبِ ولكنَّهُ ليسَ الأَصل في الحِوار.

لقد فسَّرَ بعضُ العُلماءِ والفُقهاءِ قولَ الله عزَّ وجلَّ {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} بقولهِم؛ إِنَّ الحكمةَ تقتضي دعوتهُم بأَدلَّتهِم وبكُتبهِم وبما أَلزمُوا بهِ أَنفسهُم وليسَ بما تعتقدُ أَنتَ أَو تُؤمنُ بهِ من مصادرَ وكُتبٍ سماويَّةٍ وغيرِها.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!