بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
يمثل الجهاز المناعي للجسم خط الدفاع الأول ضد أي خطر خارجي، إذ يتعرف على الأجسام الغريبة كالفايروسات والخلايا السرطانية ويقوم بإبادتها ومنع أي ضرر ينشأ عنها، ومن خلال ما يسمى بالاستجابة المناعية، يحافظ الجهاز المناعي على الصحة العامة للجسم ويمنع تعرضه للمرض أو العدوى الخارجية.
وليس ذلك فحسب، بل إن الجهاز المناعي السليم يميز بين الخلايا والكائنات الجيدة فيحافظ عليها وبين الكائنات الغريبة فيعمل على مكافحتها, لكن وفي حالات أخرى يصيب الجهاز المناعي خلل كبير فينقلب من حام إلى مهاجم ومن منقذ إلى مهلك ومن صديق الى عدو، فيؤذي الجسم بدلا من ان يحميه ويهاجم خلايا الجسد والأنسجة المفيدة ويؤذيها كأنها أجسام غريبة، ويحدث ذلك حين لا يميز جهاز المناعة بين ما هو مفيد وما هو ضار وهكذا الحال بالنسبة للإعلام ووسائل الإعلام في المجتمع، فهي جهازه المناعي الأهم وخط دفاعه الأول حين يكون الإعلام إعلاما مهنيا وحياديا يبحث عن الحقائق فيسندها ويدافع عنها ويكشف الفساد والممارسات السلبية التي تضر المجتمع فيقف بوجهها وفي الوقت ذاته يحمي الرأي العام من الشائعات ويتصدى لعمليات تضليله.
وكما الجهاز المناعي للجسم فإن الإعلام والمؤسسات الإعلامية حين تنحرف عن وظيفتها الأساسية تتحول من وسائل حماية إلى وسائل تدمير للمجتمع فتنشر الشائعات بدلا من أن تحاربها وتظلل الرأي العام بدلا من العمل على توعيته وتخدم مصالح ممولي المؤسسات الإعلامية بدلا من مصالح المجتمع، حينها سيصيب الإعلام كجهاز مناعي الخلل ويتحول الى خطر يؤذي الجسد المجتمعي بدلا من أن يحميه.
وأمام ما نشهده من حالات للإعلام الرقمي السائد في وسائل التواصل الاجتماعي وما ينشره مروجو المحتوى السالب والمحتوى الهابط من أفكار سلبية وتضليلية صار من الصعب فلترة الحقيقي عن غير الحقيقي وتدفقت الفوضى وانتشرت المعلومات غير المنضبطة وصار بإمكان الجميع إنشاء المنصات الإعلامية فاصبح للكم شأن على حساب النوع وصرنا أمام ما يسمى بالإعلام الرقمي المجاني الذي يعمل على نشر المعلومات الملفقة ونشر الشائعات وتضليل الرأي العام وهنا تكمن أهمية القانون في خلق التوازن بين حماية الحق في الإعلام والتعبير عن الرأي وعدم مصادرة الحريات العامة وعدم تكميم الأفواه وبين منع عمليات التضليل ونشر الشائعات وتغيير الحقائق وحينذاك يبقى الإعلام وسيلة دفاعية للمجتمع لا وسيلة للهدم والتضليل فمكافحة المحتوى الهابط والمضلل مهمة وفق القوانين النافذة وفي الوقت ذاته تمكين صناع المحتوى الهادف والمدافعين عن الشأن العام من إيصال رسائلهم بما يوفره لهم الدستور والقوانين من حماية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!