تعد العملية السياسية الإطار العام الذي تدار من خلاله شؤون الدولة، وتحدد عبره آليات تداول السلطة وصنع القرار. ولا يمكن لهذه العملية أن تكون ناحجة او مستقرة ما لم يستند نظام الحكم الى قضاء مستقل وقوي، قادر على فرض سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات. فالقضاء هو الجهة المحايدة التي تضبط توازن القوى داخل الدولة، وتمنع انحراف العملية السياسية عن المسار الدستوري. ومن هنا تتجلى أهمية دراسة دور القضاء في إنجاح العملية السياسية باعتبارها علاقة تكاملية لا يمكن لأي منهما أن يستغني عن الأخر.
يستند دور القضاء في هذا المجال الى أساس دستوري راسخ يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية. فالقاضي لا يخضع إلا للقانون، ولا يتأثر بالضغوط السياسية. ما يمنحه القدرة على إصدار أحكام عادلة تسهم في تعزيز الثقة العامة بالنظام السياسي. كما يضطلع القضاء بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ومشروعية القرارات الحكومية، وهو ما يحول دون تركز السلطة أو انحراف المؤسسات السياسية عن مبادئ الدستور. ومن أهم الأدوار العملية للقضاء في دعم العملية السياسية دوره في حماية النزاهة الانتحابية. فالانتخابات هي الجوهر الحقيقي لأي نظام ديمقراطي، والقضاء هو الضامن لسلامتها عبر النظر في الطعون، وحسم النزاعات بين المرشحين والتصدي للجرائم الانتخابية مثل التزوير وشراء الأصوات. أن تدخل القضاء في هذا المجال يعزز ثقة الناخبين ويمنع القوى السياسية من التشكيك في النتائج أو اللجوء الى العنف السياسي.
كما يؤدي القضاء دوراً محورياً في حماية الحقوق والحريات الأساسية التي تعد شرطاً لقيام حياة سياسية نشطه وتعددية. فحرية التعبير والتنظيم وتأسيس الأحزاب، وحق المواطنين في المشاركة السياسية، لا يمكن ضمانها إلا عبر قضاء يتصدى للتعسف الحكومي ويوقف القرارات غير المشروعة، ما يخلق بيئة تساعد على تعدد الآراء وتداولها بشكل سلمي.
لا يكتمل دور القضاء في إنجاح العملية السياسية دون الإشارة الى دوره في مكافحة الفساد الذي يعد من أخطر التهديدات على استقرار الانظمة السياسية، فالقضاء من خلال نظره في قضايا الفساد المالي والإداري يحد من نفوذ شبكات الفساد، ويضمن محاسبة المخالفين مهما كانت مناصبهم، مما يعزز الشفافية والنزاهة في الحياة العامة الى جانب ذلك، يسهم القضاء في حسم النزاعات السياسية التي قد تنشأ بين السلطات أو بين القوى المتنافسة، مثل الخلافات حول تشكيل الحكومة او الطعون في دستورية القرارات السياسية في حل هذه النزاعات عبر سلطة قضائية محايدة يمنع تفاقم الأزمات ويؤمن إنتقالاً سلساً للسلطة، بعيداً عن الفوضى والصراع.
وفي الختام يظهر بوضوح أن القضاء ليس مجرد مؤسسة للفصل في الخصومات القانونية، بل هو حجر الأساس في استقرار العملية السياسية وإنجاحها. فمن خلال ضمانه لسيادة القانون وحمايته للحقوق، ومكافحته للفساد، وإشرافه على الانتخابات، يتحول القضاء الى صمام أمان حقيقي للدولة والمجتمع. ومن دون قضاء مستقل وقوي تفقد العملية السياسية توازنها ومصداقيتها، وتبدأ الدولة بالانزلاق نحو الفوضى والانقسام.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!