ابحث في الموقع

الدعوى الكيدية في ضوء القانون العراقي

الدعوى الكيدية في ضوء القانون العراقي
الدعوى الكيدية في ضوء القانون العراقي
بقلم: القاضي عماد عبد الله

تُعدّ الدعوى الوسيلة القانونية التي كفلها الدستور العراقي والقوانين النافذة لكل فرد من أجل حماية حقوقه وصون مصالحه المادية والمعنوية. ويُعدّ حق الالتجاء إلى القضاء من أهم الحقوق الدستورية التي تضمنها الدولة لمواطنيها، إذ يمثل الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون، ويُكرّس مبدأ سيادة القانون الذي يُعدّ ركيزة للنظام القانوني في العراق.

غير أن هذا الحق، وإن كان مشروعا ومكفولًا، قد يُساء استعماله من قبل البعض حين يُستخدم لأغراض غير قانونية، فيقدم البعض على إقامة دعاوى أو شكاوى لا تستند إلى أساس واقعي أو قانوني بقصد الإضرار بالغير أو التشهير به أو الانتقام منه. وتُعرف هذه التصرفات في الفقه والقضاء باسم الدعاوى الكيدية، وهي من أخطر صور إساءة استعمال حق التقاضي لما تسببه من أضرار جسيمة على الأفراد، ولما تخلّفه من آثار سلبية تمس الثقة العامة بنزاهة القضاء وعدالته.

وقد تنبّه المشرّع العراقي إلى خطورة هذه الظاهرة، فنص في المادة (243) من قانون العقوبات العراقي على أن:

“يعاقب بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة من أبلغ السلطات المختصة كذبا بارتكاب شخص جريمة، وهو عالم بعدم صحتها”.

ومن خلال هذا النص، أراد المشرّع أن يضع حدًا للدعاوى الكاذبة والبلاغات الزائفة، فجعل العقوبة المقررة لمفتري الدعوى الكيدية مساوية للعقوبة المفروضة على مرتكب الجريمة الحقيقي. وهذا التشديد يعكس فلسفة تشريعية دقيقة تهدف إلى حماية الأفراد من الظلم، وصون كرامة الإنسان من المساس بسمعته دون دليل، فضلًا عن حماية القضاء من العبث والتلاعب. فالإبلاغ الكاذب يُعدّ في ذاته جريمة تمس العدالة، لأنه يؤدي إلى تضليل السلطات وإشغالها عن القضايا الحقيقية.

وتكمن أهمية هذا النص في أنه لا يقتصر على ردع الكاذبين والمفتريين فحسب، بل يهدف أيضًا إلى صون هيبة القضاء ومنع استغلاله لأغراض شخصية أو انتقامية. فالقضاء مؤسسة لتحقيق العدالة، وليس أداة لتصفية الحسابات أو النيل من سمعة الآخرين. ومن هنا يتضح الارتباط الوثيق بين مبدأ حسن النية في استعمال الحق ومبدأ مشروعية الدعوى، إذ لا تقبل الدعوى أو الشكوى إلا إذا كانت قائمة على مصلحة جدية ومشروعة يقرّها القانون.

وفي هذا الإطار، يؤدي مجلس القضاء الأعلى العراقي دورًا جوهريًا في الحد من هذه الظاهرة، من خلال إصدار التوجيهات والتعليمات إلى المحاكم بضرورة التحقق من جدية الشكاوى قبل قبولها، ومتابعة قضايا الإبلاغ الكاذب وإحالة مرتكبيها إلى الجهات المختصة لمساءلتهم وفق أحكام القانون. كما يعمل المجلس على تعزيز الوعي القانوني لدى القضاة وأعضاء الادعاء العام في التمييز بين الشكاوى الحقيقية والدعاوى الكيدية، ضمانًا لحماية العدالة من التعسف وسوء النية.

إن مواجهة الدعاوى الكيدية تمثل خطوة أساسية في ترسيخ العدالة وصيانة كرامة القضاء، فهي تضمن أن يظل حق التقاضي وسيلة مشروعة لإنصاف المظلوم وإحقاق الحق، لا سلاحًا يُستخدم للإساءة أو الانتقام أو التشهير بالآخرين. وبذلك يتحقق التوازن بين حماية الحقوق الفردية وصون المصلحة العامة في استقرار النظام القضائي وهيبته.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!