ابحث في الموقع

المصحات بدل الحبس

المصحات بدل الحبس
المصحات بدل الحبس
بقلم: المدعي العام هيلانة نبيل

المبادرات الأخيرة التي أعلنت عنها بعض المؤسسات الحكومية، تمثل تحولاً جوهرياً في مقاربة موضوع المخدرات. فقد سبق وقررت دائرة المرور العامة احدى تشكيلات وزارة الداخلية إخضاع المتقدمين للحصول على رخصة القيادة لفحص المخدرات ثم لحقت بها وزارة التعليم العالي حين اشترطت الفحص ذاته للطلبة المتقدمين إلى الكليات.

أن هذه الإجراءات تعكس حرص الدولة على حماية المجتمع من خطر تعاطي المخدرات وانتشارها. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما مصير الحالات التي يكشف عنها الفحص؟ وهل السجن هو الحل؟ إن المعالجة الجنائية غير كافية لوحدها فالمتعاطي يختلف عن المروج أو التاجر، فقد يكون ضحية وليس مجرماً.

هنا نقف لنتذكر الحاضر مبادرة مجلس القضاء الأعلى حين قرر التبرع بالعقارات العائدة له وغير المستغلة إلى وزارتي الداخلية والصحة، لتكون نواة لمصحات علاجية تستقبل المتعاطين وتوفر لهم برامج العلاج والتأهيل والدمج مع المجتمع، أظهر ان خطوة مجلس القضاء الأعلى ليست خطوة شكلية أو دعائية أنما هي وعي قضائي عميق بأن العدالة الحقيقية ليست في العقوبة انما بالإصلاح والتأهيل والتقويم وبذلك الأفق فقد سبق مجلس القضاء الاعلى الكثير من المؤسسات في رسم سياسة رشيدة لمواجهة هذه الافة. ولذا فإن نجاح الفحوصات الجارية في دوائر المرور او التي ستجري في وزارة التعليم العالي يبقى مرهوناً بوجود مؤسسات علاجية متخصصة.

فكيف يمكن ان نطالب شبابنا بالشفافية والسلوك القويم ثم نغلق امامهم أبواب الإصلاح، كيف لنا مطالبة الطالب الجامعي أو الشاب المتقدم للحصول على رخصة القيادة بالتصريح عن وضعه الصحي دون ان نشعره بالأمان بوجود العلاج وليس السجن فقط، بذلك نكون أفرغنا الفحص من معناه وافقدناه بعده الإصلاحي وفقدت تلك الفحوصات قيمتها وتحولت الى إجراءات شكلية. أن هدف العدالة هي التمييز بين المجرم وبين الضحية والقول بخلاف ذلك يحول الفحص من وسيلة للوقاية الى باب للعقوبة ويؤدي الى هروب الكثيرين من هذا الاجراء آنذاك نحصل على سائق بدون رخصة قيادة وشاب ترك الدراسة الجامعية. هنا ندعوا وزارتا الداخلية والصحة ان تفعل دورهما في دعم مبادرة مجلس القضاء الاعلى وتشجع المستثمرين على دعم هذا المشروع الإنساني والاجتماعي فالمصحة العلاجية هي الامتداد الطبيعي للفحص، وهي اليد التي تصل بالضحية الى بر الأمان والنجاة من المخدرات والعقوبة.

إن الاستثمار في هذه المصحات هو استثمار الأمن المجتمعي لأن المتعاطي الذي يُعالج ويُعاد تأهيله يعود الى المجتمع فرداً سوياً منتجاً، بدلاً من زجه في السجن الذي قد يضاعف خطره، إن القاضي يدرك مسألة تجريم التعاطي والترويج والاتجار وفق القانون ولكن يدرك في الوقت ذاته ان روح العدالة والقانون تقتضي ان يعامل المتعاطي بصورة تختلف عن التاجر والمروج وان وجود العقوبة القانونية لا يمنع من ابتكار معالجات إنسانية وهذا ما جسده المشرع في المادة 32 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والتي فرقت ما بين عقوبة التعاطي بالحبس وعقوبة المروج والتاجر بالسجن والاعدام لذا فأن فحص المخدرات يجب ان يكون مدخلاً الى الإصلاح لا الى اغراق السجون بضحايا المخدرات وبذلك نهيب الجهات التنفيذية كافة أن تدرك أن مكافحة المخدرات لا تتم بالقانون وحده، ولكن بالطب والتأهيل ان نجاح النجاة من المخدرات بوابته مصحات التشافي تجسيداً لمفهوم العدالة الرحيمة التي لا تكتفي بالردع، لكن تهدف إلى الإصلاح.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
كلمات مفتاحية
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!