RSS
2025-12-28 15:07:36

ابحث في الموقع

مع توجه الحكومة الأخير.. هل تعزز زيادة الضرائب والرسوم الجمركية الإيرادات غير النفطية في العراق؟

مع توجه الحكومة الأخير.. هل تعزز زيادة الضرائب والرسوم الجمركية الإيرادات غير النفطية في العراق؟
لا خلاف على أن الضرائب والرسوم تمثل إحدى الأدوات الأساسية التي تعتمدها الدول لتوليد الإيرادات وتعزيز قدرتها المالية، لكن التجارب الاقتصادية "الناجحة" تُظهر بوضوح أن الحكومات لا تبني سياساتها المالية على رفع نسب الضرائب بحد ذاتها، بل تركّز بالدرجة الأولى على توسيع الوعاء الضريبي والجمركي بما يضمن زيادة الإيرادات بصورة مستدامة ودون إلحاق ضرر بالنشاط الاقتصادي.

في هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إن "أي زيادة في نسب الضرائب أو الرسوم يجب أن تكون مبنية على دراسات دقيقة تأخذ بنظر الاعتبار مجمل الآثار الاقتصادية المحتملة، بدءا من تأثيرها على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، مرورا بانعكاساتها على مستويات التضخم، وصولًا إلى أثرها المباشر على فرص العمل في القطاع الخاص"، مشيراً إلى أن "الأهم من ذلك، أن النهج السليم يتمثل في التوسّع الأفقي للإيرادات عبر زيادة عدد المشاريع العاملة، وتحسين بيئة الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو ما ينعكس تلقائيا على نمو الإيرادات الضريبية والجمركية".

وذكر العبيدي في تدوينة عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الأحد، أن "اللجوء إلى التوسّع العمودي، أي رفع نسب الضرائب والرسوم، فيفترض أن يكون مرحلة لاحقة لا تُعتمد إلا بعد تحقق جملة من الشروط، في مقدمتها استقرار الأسواق، والحفاظ على مستويات التشغيل، وعدم الإخلال بمستهدفات التضخم".

و"خلال الفترة الماضية، مع تصاعد الضغوط على النفقات العامة نتيجة ارتفاعها من جهة وتراجع أسعار النفط من جهة أخرى، اتجهت الحكومة إلى اعتماد خيار الزيادة العمودية للضرائب والرسوم دون استكمال دراسة آثارها الاقتصادية، فتم رفع التعرفة الجمركية وبعض الرسوم الضريبية قبل التحقق من مسألتين جوهريتين: الأولى (حجم التأثير المباشر لهذه الزيادات على القطاع الخاص والمواطن)؛ والثانية (قدرة المشاريع القائمة على الاستمرار في تحقيق مستويات الإيرادات نفسها في ظل ارتفاع الكلف). إلا أن زيادة الرسوم لا تعني بالضرورة زيادة فعلية في الإيرادات، إذ قد تؤدي إلى تراجع نشاط المشاريع، وانخفاض قدرتها على توليد الدخل، ما يفرغ هذه الزيادة من مضمونها المالي"، والكلام للعبيدي.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "رسوم الاتصالات تبرز مثالًا واضحًا على ذلك، إذ إن فرض أعباء إضافية على شركات الاتصالات لا ينعكس فقط على كلفة الخدمة التي يتحملها المواطن، بل يمتد ليؤثر على نشاط هذه الشركات وربحيتها. ومع ارتفاع الكلف التشغيلية، قد تلجأ الشركات إلى تقليص نفقاتها، وفي مقدمتها أجور العاملين التي تشكل النسبة الأكبر من تلك النفقات، ما يؤدي إلى تسريح العمال وارتفاع معدلات البطالة، وهو المؤشر الأهم لقياس استقرار واستدامة أي اقتصاد".

وقال العبيدي بهذا السياق إنه "كان الأجدر بالحكومة أن تركز جهودها على تهيئة بيئة استثمارية أكثر جاذبية، وتبسيط بيئة الأعمال بما يسهم في زيادة عدد الشركات والمشاريع العاملة، الأمر الذي كان سيقود بطبيعته إلى توسّع أفقي في الإيرادات الضريبية"، منوّهاً أن "هذا المسار أقل كلفة على الاقتصاد وأكثر استدامة مقارنة بالتوسّع العمودي الذي يحمل آثارا سلبية محتملة على مجمل النشاط الاقتصادي".

الخبير الاقتصادي دعا في حديثه، حكومة تصريف الأعمال، لإعادة النظر في الزيادات الضريبية الأخيرة، والعمل بدلاً من ذلك على تحسين آليات الاستحصال الضريبي، وتطوير برامج فعّالة لضم الفئات غير الملتزمة ضريبيا إلى المنظومة الرسمية، إلى جانب توفير بيئة أعمال محفزة للنمو في مختلف القطاعات، مؤكداً أن "زيادة الناتج المحلي الحقيقي هي الطريق الأضمن لرفع الإيرادات الضريبية بصورة صحية، قبل التفكير بأي زيادات عمودية لا تستند حتى الآن إلى دراسات علمية رصينة تقيس آثارها الاقتصادية المحتملة".

كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!