تمرّ علينا اليوم نحن العراقيين، ذكرى إعدام الدكتاتور المجرم صدام حسين وهي ذكرى لا يمكن فصلها عن تاريخ طويل من الألم والمعاناة التي عاشها شعب العراق على مدى عقود. لم يكن ذلك اليوم عابراً في ذاكرة العراقيين، بل شكل محطة مفصلية أنهت حقبة سوداء مثقلة بالحروب والمقابر الجماعية والقمع والحرمان.
في ذلك اليوم وقّع رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي على المصادقة على حكم الإعدام، في خطوة رآها ملايين العراقيين إنصافاً لضحايا هذا النظام الدموي، الذين دفعوا أعمارهم وأحلامهم وأرواح أحبّتهم ثمناُ لحكم استبدادي لم يعرف غير الحديد والنار. كان القرار بالنسبة لكثيرين إعلاناُ رسميًا لنهاية مرحلة وبداية أمل ولو متعثر بدولة تختلف عمّا سبقها.
ذلك اليوم حمل للعراقيين عيدين لا عيداُ واحداُ. كان عيد الأضحى المبارك، العيد الديني الذي يحمل معاني الفداء والتضحية وكان العيد الثاني بالنسبة لهم هو نهاية رمز من رموز الطغيان. يومها شعر كثير من العراقيين أن عراقاُ جديداُ يولد من رحم المعاناة، وأن “نحر صدام” لم يكن فعل انتقام، بل إسدال ستار على عقبة زمنية ثقيلة جلبت الذل والفقر والحصار والحروب العبثية.
لقد عاش العراقيون أكثر من خمسة وثلاثين عاماُ في ظل حكم حزب البعث وهي فترة مظلمة بكل ما للكلمة من معنى. شهدت تلك الحقبة حروباُ متتالية أحرقت الأخضر واليابس، بدءًا من الحرب العراقية – الإيرانية، مروراُ بغزو الكويت وصولًا إلى الحصار القاسي الذي دمّر بنية المجتمع وأفقر العائلات وكسر كرامة الإنسان العراقي. كانت دولة تُدار بالخوف ويُحكم فيها الشعب بالصمت، وتُدفن الأصوات الحرة في السجون والمنافي.
رسالتنا اليوم إلى جميع الدول والجهات التي استهجنت أو تحفّظت على إعدام صدام حسين واضحة وصريحة: إن من عانى لا يمكن أن يُملي عليه الآخرون كيف يقتصّ من جلاده. نحن أصحاب الجراح ونحن من دفع الثمن ومن حقنا أن نرى العدالة ولو متأخرة تأخذ مجراها.
نعم، لا أحد ينكر أن السنوات الأولى بعد سقوط النظام كانت صعبة وقاسية. عانى العراق من انفلات أمني وعمليات إرهابية وخراب سببه فلول النظام السابق ودخول الجماعات الإرهابية التي أرادت جرّ البلاد إلى الفوضى والاقتتال. لكن العراقيين صبروا ودفعوا مرة أخرى ثمناُ باهظاُ، إلى أن بدأ الوطن يستعيد عافيته تدريجيًا.
اليوم ورغم كل الملاحظات والانتقادات المشروعة، يمكن القول إن العراق عاد إلى وضعه الطبيعي إلى حدّ كبير. يشهد البلد استقرارًا ملحوظًا، وحركة إعمار في مدن عدة وعودة للحياة بعد سنوات من الدم والخوف. لسنا في المدينة الفاضلة ولا ندّعي الكمال، لكننا بالتأكيد أفضل بكثير من تلك الحقبة التي كانت فيها كلمة واحدة كفيلة بإرسال إنسان إلى الإعدام أو الاختفاء الأبدي.
إن ذكرى إعدام صدام حسين ليست دعوة للشماتة، بل تذكير قاسٍ بما يمكن أن تفعله الدكتاتورية عندما تحكم شعبا بلا رقيب ولا محاسبة. وهي في الوقت نفسه درس للأجيال القادمة: أن الطغيان مهما طال، لا بد أن يسقط وأن دماء الضحايا لا تضيع وأن الشعوب، مهما صبرت، لا تنسى.
التعليقات
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!