- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أوصاف مصحف الإمام علي (عليه السلام) وجدلية التحريف

بقلم: علي الراضي الخفاجي
(فمانزلتْ على رسول الله صلى الله عليه وآله آيةٌ من القُرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتُها بخطِّي وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومُحْكمها ومُتشابهها وخاصِّها وعامِّها، ودعا الله لي أنْ يُعطيَني فَهْمَها وحفْظها، فما نَسيتُ آيةً من كتاب الله ولا علْماً أملاهُ عليَّ وكتبتُهُ مُنذُ دعا الله لي بما دعا، وماترك شيئاً علَّمهُ الله من حلالٍ ولاحرامٍ ولا أمرٍ ولانهيٍ كان أو يكون، ولاكتابٍ مُنزلٍ على أحدٍ قبلهُ من طاعةٍ أو مَعْصيَةٍ إلا علَّمنيه وحفظته فلمْ أنْسَ حرفاً واحداً). الأصول من الكافي، 1: 85.
أوصاف اختصرها الإمام علي عليه السلام في وصف مُصْحفه، فلمْ يكُنْ قرآناً آخر، إنما هو مُصْحَفٌ أملاهُ عليه النبي صلى الله عليه وآله، وتضمنتْ هوامشه ماذكرهُ الإمامُ مع علومٍ جَمَّةٍ لو أنْصَفتْهُ الأمة وأخذتْ بقوله لعاشتْ حياة هنيئة لامكان فيها للصراعات والنزاعات.
والمُصْحفُ في اللغة، هو: ماتُجْمعُ به الصُّحُفُ، وليس غريباً ذلك أنْ يكون لشخصٍ مُصْحفاً خاصاً، حتى ذكر التاريخ أنَّ جملةً من الصَّحابة كانتْ لديهم مصاحف، كعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، والمقداد، وغيرهم، فمن بابٍ أولى أنْ يكون لبابِ مدينةِ علمِ الرَّسولِ صلى الله عليه وآله وأُذنه الواعية مُصْحفاً، وهو أولُ منْ جمع القرآن الكريم، كما عن طبقات ابن سعد والاستيعاب والمناقب وكنز العمال وغيرها، نحو ماذكره ابن جزِّي الكلبي:(ت 731هج) بقوله:(وكان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله متفرقٌ في الصُّحُفِ وفي صدور الرِّجال، فلما تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وآله قعد عليُّ بنُ أبي طالب في بيته فجمعهُ على ترتيب نزوله، ولو وُجِدَ مُصْحَفَهُ لكان فيه علمٌ كبيرٌ ولكنهُ لمْ يوجد).التسهيل لعلوم التنزيل، 1: 4، وعبارة الإمام التي نقلها المتقي الهندي نقلاً عن طبقات ابن سعد :(والله مانزلتْ آية إلا وقد علمتُ فيما نزلتْ وأين نزلتْ وعلى منْ نزلتْ، إنَّ ربِّي وَهَبَ لي قلباً عقولاً ولساناً طلقاً سؤولاً).كنز العمال، 13: 128.
وقد جاء الإمام عليه السلام بالقرآن إلى الناس وقال:(أيُّها الناسُ إنِّي لمْ أَزَلْ منذ قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعتُهُ كلَّهُ في هذا الثَّوب، فلمْ يُنزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتُها كلَّها في هذا الثوب، وليستْ منه آية إلا وقد أقرأنيها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وعلَّمني تأويلها، فقالوا: لاحاجة لنا به، عندنا مثله).الاحتجاج، 1: 282، فقال لهم:(أما والله لاترونهُ بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليَّ أنْ أخبركُمْ حين جمعتُهُ لتقرأوه).الكافي، 2: 633.
حتى المُصْحَفِ الذي بين أيدينا هو بعلم أمير المؤمنين عليه السلام، وكلُّ ما في الأمر أنَّ مُصْحَفَهُ كان بحسب ترتيب النزول وتضمَّن علماً أملاهُ عليه النبي صلى الله عليه وآله.
وهناك حادثة نقرأ من خلالها إمضاء وإقرار الإمام عليه السلام بالمُصْحَفِ الذي بين أيدينا، فقد سأله طلْحة لو يُخرج للناس مُصْحَفَهُ الذي جمعهُ فقال: مايمنعك أنْ تُخرجَ كتاب الله إلى الناس؟ فكفَّ عليه السلام عن الجواب أولاً فكرر طلحة السؤال فقال: لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمَّا سألتك من أمر القرآن، ألا تظهره للناس؟ فخاطبه الإمام عليه السلام:(ياطلْحة عمداً كففتُ عن جوابك، فأخبرني عمَّا كتبهُ القوم، أقرآنٌ كلُّهُ أم فيه ماليس بقرآن؟ فقال طلْحة: بل قرآنٌ كلُّهُ، فقال عليه السلام:(إنْ أخذتُمْ بما فيه نجوتُمْ من النار ودخلتُمْ الجنَّة). رواه سليم بن قيس الهلالي ونقله صاحب البحار، وكأنَّ الإمام في جوابه هذا منع المغرضين من الخوض في الموضوع وأكَّدَ على أنَّ أهمَّ شيءٍ هو الأخذُ والعملُ بما جاء به كتاب الله تعالى ولاينفع الخوض في الحديث عن هذا.
فكتاب الله تعالى واحد، ألا يكفي أنَّ الشيعة يقرأون بالقرآن الذي يقرأ به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وهو نفسه الذي يقرأ به قراؤهم في الفضائيات والمساجد والمراقد والمعاهد والحوزات؟ ومنْ مثلهم حريصٌ على توقير وتقديس القرآن؟ ومنْ مثلهم يؤكِّدُ على ثنائية القرآن والعترة وأنهما لن يفترقا إلى يوم الدين؟ ومنْ مثلهم يُوجِبُ عَرْضَ كلَّ رواية على القرآن فإنْ خالفتْ يُضْرَبُ بها عرض الجدار؟
أما عن مُصْحَفِ الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، فلهُ عنوانٌ ومضامين أُخَرَ، فعن حمَّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:(تظهرُ الزنادقةُ في سنة ثمان وعشرين ومئة، وذلك أني نظرتُ في مُصْحَفِ فاطمة عليها السلام قال: قلت: ومامصحف فاطمة؟ قال: إنَّ الله تعالى لما قبضَ نبيَّهُ صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة من وفاته من الحزن مالا يَعلمُهُ إلا الله عزَّ وجلَّ، فأرْسلَ الله إليها مَلَكاً يُسلِّي غمَّها ويُحدِّثُها، فشكتْ ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال:(إذا أحْسَسْتِ بذلك وسَمِعْتِ الصَّوتَ قولي لي، فأعلمتهُ بذلك، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتبُ كلَّما سَمِعَ حتى أثبتَ من ذلك مُصْحَفاً، قال: ثم قال:(أما إنه ليس فيه شيءٌ من الحلال والحرام ولكنَّ فيه علمُ مايكون).الكافي، 1: 265، وهذه حقيقة أكَّدتها الروايات أنَّهُمْ عليهم السلام مُفهَّمُونَ مُحدَّثُون.
أقرأ ايضاً
- التلقين جرثومة التعليم القاتلة
- الإمام الحسين (عليه السلام) هدية الله اليتيمة
- التعليم العالي في الدول العربية امام تحديات وفرص الذكاء الاصطناعي في عام جديد