أثار إلغاء تركيا للاتفاق النفطي مع العراق، الذي مضى على سريانه 52 عاما، الكثير من التساؤلات والتكهنات بشأن أسبابه وتداعياته، بين من يراه خطوة تفاوضية تكتيكية، ومن يعده إجراء غير قانوني. وفيما تلتزم بغداد الصمت الرسمي حيال القرار، تؤكد مصادر في وزارة النفط أنه قد يشكل بابا جديدا للتعاون.
وقال خبير العلاقات الدولية، حسن أحمد مصطفى، إن “أنبوب النفط العراقي – التركي، الذي يعمل منذ عام 1973، يمتلك مكانة حيوية في ديناميكية الطاقة بالمنطقة، ويوصل هذا الأنبوب الاحتياطي النفطي العراقي إلى الأسواق العالمية، مما يعزز دور تركيا كمركز مهم في توزيع الطاقة عالميا”.
وأضاف، أن “هذا الأنبوب يمثل بالنسبة لبغداد وأربيل، ليس مجرد طريق لتصدير النفط، بل هو خط جيو سياسي، وجيو اقتصادي مهم، ويعد أساسا للاستقرار المالي وربط إقليم كردستان والعراق بالأسواق العالمية، لذلك، فإن أي حديث عن قطع أو شكوك حول الاتفاقية أو تعديلها، تحديثها، أو إعادة صياغتها، يعد مسألة بالغة الأهمية، خاصة وأن العراق يعتمد بشكل رئيس على الطاقة”.
وفيما يتعلق بإشارة تركيا مؤخراً إلى تجديد الاتفاقية أو عدم التجديد، أكد أن “هذا تكتيكا تفاوضيا، وليس رفضا مباشرا، فأنقرة تدرك تماما القيمة الاقتصادية والاستراتيجية لتصدير النفط العراقي، ولكنها تسعى لفرض شروط تضمن حماية مصالحها، ومن المتوقع أن تطالب تركيا العراق بإعفائها من تسديد مبلغ 1.6 مليار دولار من الغرامات المالية التي فرضتها محكمة التحكيم الدولية عليها، بسبب تصدير النفط من إقليم كردستان دون الرجوع إلى شركة (سومو)، كما يبدو أن تركيا تحاول تعديل هذه المادة للتحرّر من أي التزام مستقبلي في حال تصدير النفط من إقليم كردستان”.
من جهته، قال الخبير القانوني، علي التميمي، إنه “إذا كانت الاتفاقية النفطية ما بين العراق وتركيا والتي وقّع أردوغان على إلغائها، اتفاقية دولية مودّعة لدى الأمم المتحدة، فلا يمكن إلغاؤها من قبل طرف واحد إطلاقا، وهذا يخالف كل القوانين الدولية، لكن إذا كانت هي اتفاقية ثنائية، فهنا يحق لأي طرف إلغاؤها دون الرجوع إلى الطرف الآخر”.
وأضاف، أنه “يجب الاطلاع على كامل تفاصيل الاتفاقية التي أُلغيت من قبل أردوغان، وبعد ذلك يمكن معرفة قانونية ما قام به الرئيس التركي، فإذا كانت الاتفاقية مودّعة في الأمم المتحدة فلا يمكن له التوقيع على إلغائها دون الاتفاق المسبق ما بين بغداد وأنقرة على ذلك، ويعتبر الإلغاء غير قانوني ويحق للعراق الاعتراض عليه أمام الجهات الدولية المختصة”.
إلى ذلك، نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مسؤول في وزارة النفط، قوله، إن “تركيا قدمت مسودة مقترح إلى الحكومة العراقية لتجديد وتوسيع اتفاقية الطاقة بين البلدين لتشمل التعاون في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والكهرباء”.
وأضاف، أن “الوزارة بصدد مراجعة مسودة الاتفاقية المرسلة من الجانب التركي، والتفاوض معها للوصول إلى صيغة تخدم مصالح البلدين”.
وبينما تلمّح بعض التقديرات إلى أن القرار قد يكون جزءا من استراتيجية تفاوضية تركية، تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة مع العراق بشروط جديدة، فإن وجود مهلة زمنية حتى عام 2026 يمنح مساحة للتحاور، وربما لتسوية النزاعات العالقة، وعلى رأسها الخلاف حول مستحقات تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، مما يضع العراق أمام اختبار دقيق على المستويين الاقتصادي والسياسي، كما يضع تركيا في موقع قوة تفاوضية تستند إلى موقعها الجغرافي ودورها في أسواق الطاقة.
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي، أن تداعيات قرار أنقرة ستظل مفتوحة على احتمالات متعددة، لكن جوهرها يظل مرهونا بقدرة المفاوض العراقي على إدارة المرحلة المقبلة بمرونة ووعي استراتيجي.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقع أمس الاثنين، قرارا رسميا ينهي الاتفاق النفطي التاريخي مع العراق، بعد أكثر من نصف قرن على سريانه، والذي ينص على إلغاء اتفاق خط أنابيب النفط “جيهان” بين بغداد وأنقرة الموقع عام 1973، والذي كان يعد شريانا اقتصاديا حيويا للجانبين، خاصة لتصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، كما يمنح القرار التركي الاتفاق مهلة انتهاء رسمية حتى تموز 2026.
وكانت حكومة إقليم كردستان، أعلنت في 23 شباط 2025، التوصل إلى اتفاق مع وزارة النفط لاستئناف تصدير نفط الإقليم عبر خط جيهان التركي، إلا أن التصدير ما زال متوقفا، منذ أكثر من عامين.
الجدير بالذكر أن الحكومة العراقية قد ربحت في آذار 2023، دعوى تحكيم ضد نظيرتها التركية أمام غرفة التجارة الدولية في باريس، لـ”مخالفتها” أحكام اتفاقية خط الأنابيب العراقية التركية الموقعة عام 1973، وتتعلق بتصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي دون الرجوع إلى شركة “سومو” الاتحادية، الجهة الوحيدة المخولة بتصدير النفط العراقي، وعلى إثر القرار، توقف تصدير نفط كردستان في 25 آذار 2023، الذي كان يبلغ 450 ألف برميل يوميًا، الأمر الذي يعني خسارة نحو مليار دولار شهرياً.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!