وسط مشهد سياسي وأمني معقد، تحول مجلس النواب في دورته الحالية، من أداة تشريعية رقابية إلى ساحة للصراع السياسي، في ظل الإخفاقات المتكررة و الخلافات المحتدمة بين القوى السياسية.
فبعد جلسته الاستثنائية التي تحولت إلى تداولية، بشأن فاجعة الكوت، أكد النائب مختار الموسوي، أن البرلمان فقد شرعيته، وأصبح ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين الكتل المتصارعة.
وقال الموسوي في تصريح صحافي، إن “عرقلة عقد الجلسات البرلمانية خلال الفترات الماضية، والتأجيلات المتكررة بسبب الخلافات السياسية، جعلت البرلمان يفقد هيبته وثقة المواطنين بدوره التشريعي”، موضحا أن “الصراع بين الكتل لم يعد داخل القاعات فقط، بل وصل إلى شلّ عمل البرلمان بالكامل”.
وأضاف، أن “الخلافات على القوانين السيادية، وملف الموازنة، وقانون الانتخابات، أدت إلى تعطيل الحياة التشريعية والرقابية، وأصبح البرلمان أشبه بواجهة شكلية تُستغل إعلاميا من بعض الأطراف لتسجيل المواقف فقط”.
وأشار الموسوي إلى أن “استمرار هذا النهج سيقود إلى مزيد من العزوف الشعبي عن العملية السياسية، ويُضعف المؤسسات الدستورية في البلاد”، داعيا إلى “اتفاق سياسي عاجل لإعادة تفعيل البرلمان كمؤسسة تشريعية تمثل الشعب، لا مصالح الكتل”.
وتحولت الجلسة الاستثنائية التي دعا إليها مجلس النواب، أمس الأول الاثنين، لمناقشة حريق “هايبر الكوت” وهجمات الطائرات المسيرة على المنشآت النفطية، إلى جلسة تداولية، بعد تعذر انعقادها رسميا بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني. وغياب غالبية النواب عنها، فيما سجل عدم حضور للمسؤولين التنفيذيين المعنيين، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، ومدير الدفاع المدني، ومحافظ واسط، ما أثار موجة انتقادات جديدة حول جدية التعاطي الرسمي مع الملفات الطارئة.
ويواجه مجلس النواب انتقادات لاذعة بسبب عجزه عن عقد الجلسات، بما فيها الجلسات التي لا يتضمن جدول أعمالها فقرات خلافية.
وكان عضو تحالف الأنبار المتحد، محمد الدليمي، أكد في 13 تموز الجاري، أن هناك إجماعا نيابيا يضم أكثر من 100 نائب، من بينهم نواب من المكون السني، للمضي بجمع تواقيع نصف زائد واحد من أعضاء المجلس، بهدف سحب الثقة من رئيس البرلمان محمود المشهداني، بسبب إهانته الهوية العراقية، وكذلك حديثه عن إعلان حكومة طوارئ بالتزامن مع تظاهرات واسعة في بغداد والمحافظات قد تفضي إلى انهيار أمني.
وحصلت مشادات كلامية بين رئيس البرلمان محمود المشهداني، ونائبه الأول محسن المندلاوي، حول بعض القوانين، خلال جلسة الاثنين الماضي، مما أدى إلى رفع الجلسة إلى إشعار آخر، رغم تحقق النصاب القانوني.
يشار إلى أن هناك 150 قانونا معطلا و23 استجوابا وسؤالا بانتظار حسمها من البرلمان خلال الفصل التشريعي الحالي والأخير من الدورة البرلمانية الخامسة.
وبدأ الفصل التشريعي الأخير، السبت الماضي، فيما دعا رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، مساء الثلاثاء الماضي (8 تموز الجاري)، جميع النواب إلى تحمل مسؤولياتهم، والانتظام بحضور الجلسات النيابية المقبلة بغية إقرار القوانين.
وتسود حالة تخوف من ترحيل عدد من القوانين المهمة إلى الدورة النيابية الجديدة، في ظل اتهام رئاسة البرلمان بتسويف مطالب استجواب عدد من وزراء الحكومة.
ويعاني مجلس النواب من أزمات متكررة تتعلق بتأمين النصاب القانوني لعقد الجلسات، في ظل انقسامات سياسية حادة وتضارب في المواقف بشأن الأولويات التشريعية، كما أن العديد من مشاريع القوانين المرتبطة بملفات حساسة، مثل الحشد الشعبي وإصلاحات وزارة التربية، بقيت معلّقة دون حل.
وشهد البرلمان خلال الفصل التشريعي الأول، حالة من تعطيل الجلسات، حيث اكتفى بنحو 9 جلسات فقط، نتيجة لتغيب النواب عن حضور الجلسات، وسط انتقادات للرئاسة بعدم تطبيق النظام الداخلي للمجلس، واتخاذ إجراءات صارمة لضمان سير أعمال الجلسات وعدم تعطيل انعقاد البرلمان.
ومنذ بداية الدورة النيابية في كانون الثاني 2022، عقد مجلس النواب العراقي 132 جلسة فقط، في حين ينص النظام الداخلي على عقد 256 جلسة سنويا، كما حدد النظام الداخلي عقد 8 جلسات شهريا، وفصلا تشريعيا يمتد 4 أشهر، بواقع 32 جلسة في كل فصل.
وواجهت المؤسسة التشريعية خلال الدورة الخامسة للبرلمان، تحديات كبيرة، أبرزها الانقسامات الحادة بين الكتل السياسية، وغياب التوافق حول الملفات الكبرى، ما انعكس سلبا على الأداءين التشريعي والرقابي، كما ساهمت هيمنة بعض الأطراف النافذة على قرارات البرلمان في إضعاف دوره، وتراجع ثقة المواطنين بفعاليته، خصوصا مع تكرار تعطيل الجلسات وتغييب القوانين الإصلاحية، مما دفع عددا من النواب إلى طرح خيار حل البرلمان كمدخل لإعادة بناء المشهد السياسي وفق أسس جديدة.
المصدر: العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!