ابحث في الموقع

المولدات الأهلية.. سُمُّنا اليومي بترخيص حكومي

المولدات الأهلية.. سُمُّنا اليومي بترخيص حكومي
المولدات الأهلية.. سُمُّنا اليومي بترخيص حكومي

بقلم: سيف الحمداني

رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحسين واقع الكهرباء في العراق، لا تزال المولدات الأهلية تحكم قبضتها على أحياء بغداد، وتتحول مع مرور الأيام من حلٍّ مؤقت إلى كارثة دائمة تُهدد صحة المواطنين وراحة بالهم، بل وحقهم في هواء نظيف وحياة بلا تلوّث وضجيج.

بحسب احصاءات رسمية، يبلغ عدد المولدات الأهلية في العاصمة وحدها أكثر من 14 ألف مولدة، تعمل بشكل شبه دائم لسد العجز المستمر في ساعات تجهيز الكهرباء الحكومية. لكن هذا الرقم لا يعني مجرد إحصائية جامدة، بل يُمثّل 14 ألف مصدر للضوضاء والانبعاثات السامة، وأحياناً مصدراً للابتزاز المالي أيضاً.

تجوب في بغداد أصوات المولدات بصخبها المدوّي، وتخترق نوافذ البيوت وتشق ليل المدينة المكتظ بالأنين. صوت المحركات المتواصلة، الذي يتجاوز في بعض المناطق حاجز الـ100 ديسيبل، لا يرحم رضيعاً نائماً ولا مريضاً يبحث عن سكون، فيما يتناثر دخان العوادم الثقيلة في الأجواء، محمّلاً بغازات مسرطنة وأكاسيد خانقة، تسهم في ارتفاع معدلات الربو، الحساسية، وأمراض القلب.

ورغم أن الضرر بات واضحاً، فإن أصحاب المولدات لا يُجبرون على استخدام كواتم صوت أو فلاتر تنقية للغازات السامة، مع أن هذه التقنيات متاحة وغير مكلفة مقارنة بالأرباح الشهرية التي يجنيها بعضهم، والتي قد تصل إلى عشرات الملايين شهرياً في بعض المناطق.

ما يُثير القلق أن هذه الفوضى لا تحدث خارج القانون، بل تتم في ظل سياقات إدارية واضحة، وتراخيص رسمية تمنحها المجالس البلدية والدوائر المعنية. بل إن بعضها مدعوم من جهات نافذة سياسياً أو عشائرياً، ما يجعل مساءلتها أو محاسبتها أشبه بالمستحيل.

والسؤال الذي لا يكف البغداديون عن تكراره: لماذا لا يُلزم أصحاب المولدات بتركيب فلاتر وكواتم صوت؟ ولماذا لا تتم مساءلتهم عن أضرار بيئية تُهدد مستقبل مدينة كاملة؟ ولماذا تتقاعس الحكومات المحلية والدوائر البيئية عن فرض إجراءات حماية؟ هل المواطن أقل شأناً من أرباحهم؟ أم أن القضية باتت أكبر من أن تُعالج؟

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن أزمة المولدات الأهلية لم تعد أزمة كهرباء فحسب، بل تحوّلت إلى أزمة بيئية وصحية وإدارية تكشف حجم الفوضى التي تضرب مفاصل الخدمات الأساسية في العاصمة.

في غياب شبكة وطنية قوية للكهرباء، وفي ظل غياب قانون عادل يُنظم عمل المولدات ويحد من سطوتها، تبقى بغداد تدفع الثمن وحدها: من رئة طفل تختنق، إلى قلب مريض لا يحتمل الضجيج، إلى عقل مواطن أنهكه الضجيج والانقطاع، دون أي بصيص أمل بحلول جذرية.

هذه استغاثة شعب يُريد فقط أن يتنفس، وأن يعيش في بيئة لا يعاقبه فيها الصوت والدخان على مدار الساعة.

فهل من مجيب؟

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!