عندما كشر نظام الطاغية المقبور الهدام عن انيابه وغدر بالاحزاب التي شكل معها حلفا في اتفاقية (11) آذار، ثم بطش بهم قتلا وسجنا وفر الالاف منهم الى خارج العراق، وتفرد بعدها بالسلطة بعدما ازاح "البكر" عن طريقه وادخل البلد في حرب عبثية في ثمانيات القرن الماضي، كان هناك ثلة من الرجال المجاهدين الذين نذروا انفسهم للتصدي لهذا الوحش الكاسر واجهزته القمعية، ومنها مجموعة يقودها شاب من اهالي سوق الشيوخ كان طالبا جامعيا يدرس في محافظة البصرة، وتمكن هو ورفاقه من تنفيذ اكثر من عملية ناجحة ضد قوات النظام القمعي السابق، وابرزها محاولة اغتيال المجرم "علي كيمياوي" التي جرح بها واخلي من قبل الناس، وفقد سلاحه بعدما نزف بشكل كبير، هذا السلاح المعروف بـ "النص اخمص" عاد الى عائلة الشهيد بعد (32) عاما.
طالب مجاهد
يتحدث السيد "محـمد البطاط" عن اخيه الشهيد السيد "ناصر نعمة دخيل البطاط" الذي كان في العام (1989) طالبا في قسم الفيزياء بكلية العلوم بجامعة البصرة، وقد انتمى لحزب الدعوة من قبل خاله " فاضل الوائلي" الذي استشهد في العام (1985)، وتبنى الشهيد "ناصر" ادارة المجاميع والتنظيمات في محافظات البصرة، وذي قار، وميسان، بدلا عن خاله، واعاد تفعيل الجهاد من جامعة البصرة من خلال استكمال الحلقات والتنظيمات عبر انتماء عدد من الطلبة والاساتذة اليه بالرغم من المراقبة والملاحقة الامنية عليه، التي أثرت عليه وتسببت في رسوبه عامين، وحسب ما نقل لنا المقربين منه وبالاخص "الحاج جاسم" وبعض ممن كان معه انه كان يقود التنظيم الرأسي في مثلث الاهوار في تلك المحافظات وعدد المنتمين له يصل الى نحو (1500) شاب منظم، وبينهم الطالب والاستاذ وباقي شرائح المجتمع من المثقفين والموظفين، وكان لديهم خط تواصل مع المرجعية الدينية في النجف الاشرف، وخاصة في التنظيم المالي والتواصل بين المجاميع المنظمة، وهو الشخص الوحيد الذي يوصل لهم المال، والسلاح، والتوجيهات العسكرية، وقد قاد في اعوام (1989 ــ 1990 ــ 1991) معارك مع مجاميعه ضمن تنظيماته ضد اجهزة النظام القمعية في مناطق "سيد دخيل"، و"الاصلاح" في محافظة ذي قار، وكذلك في قضاء "الهارثة" بمحافظة البصرة، ولكون اغلب اعضاء المجاميع هم من ابناء الريف والعشائر فجميعهم مدرب على استعمال السلاح والقتال، وكذلك كان الطبيعة الجغرافية وتضاريسها والقصب والماء لمناطق الاهوار عامل اسناد للمجاميع المجاهدة التي كان المجاهدين فيها من اهالي تلك المناطق ويعرفون كل مداخلها ومخارجها ".
سلاح مقابل سلاح
وبين ان" السلاح الذي كان يملكه شقيقه الشهيد ومجاميعه بنفس مستوى السلاح الذي تملك عناصر الاجهزة الامنية بكفتين متساوية مثل البنادق والرشاشات والقنابل اليدوية والقاذفات، وآخر معركة شارك بها في منطقة "أم عنيج" شارك معه فيها ابناء المنطقة من عناصره المنظمين معه، وكانوا يستهدفون عناصر الاجهزة الامنية مثل الامن والمخابرات وعناصر البعث والاستخبارات العسكرية، واستخدموا "التنظيم الخيطي"، حيث تعمل جميع المجاميع على هدف واحد لكن دون ان تعلم مجموعة بعمل واسماء ومعلومات وتفاصيل المجموعة الاخرى، وكان النظام البعثي يتغلغل بين هذه المجاميع لكن يصعب عليه الحصول على معلومات تكشف خطوطه وتطيح بالتنظيم الجهادي، واذا استهدفت مجموعة سلمت باقي المجاميع وجميع اسماء المجاهدين حركية ووهمية لا أثر لها في السجلات الرسمية، وكان الشهيد يلقب في ميسان "سيد منير"، وفي شمال البصرة "سيد مؤيد"، وفي ذي قار "سيد ناصر"، وجميع جهاده وعمله وتنظيماته كانت خلال الدراسة الجامعية".
ابرز عملية جهادية
وعن ابرز العمليات العسكرية التي نفذها الشهيد "ناصر" مع مجاميعه والشخصية المستهدفة يوضح "البطاط" قائلا ان" ابرز واقوى عملية جهادية هي الأخيرة التي كانت محاولة اغتيال المجرم "علي حسن المجيد" عام (1991) الذي قاد عمليات القمع والقتل والاعدامات في محافظات البصرة، وميسان، وذي قار، حيث خطط لها بتمعن وتوفرت معلومات استباقية عن توجه المجرم "المجيد" من بغداد نحو محافظة البصرة وحدد في العملية ساعة مروره والطريق الذي يسلكه في منطقة "ام عنيج" الزراعية الصحراوية التابعة للبصرة وبالفعل جاء موكب السيارات الذي يسمى الخط الاول "الكشاف"، واشتبكت المجموعة المجاهدة بقيادة "سيد ناصر" مع الخط الاول ظنا منهم انه يقل "الكيمياوي" الذي كان في الخط الثاني الذي يصل بعد نصف ساعة، وتمكنت المجموعة من قتل (11) عنصرا من حماية "علي كيمياوي"، وسقط (4) شهداء من المجموعة الجهادية التي كان عددها (7) مجاهدين، وجرح السيد "ناصر" باطلاقة (BKC) في بطنه".
موقف راعي الغنم
كانت اصابة السيد "ناصر" بليغة بل عد في عداد الموتى ، هكذا يصف شقيقه الحالة ويضيف" وسحبت حماية "الكيمياوي" جثث قتلاهم وتركت جثث المجاهدين والسيد في العراء لان اهاليهم يتخوفون من الوصول اليهم خشية الاعتقال او انه كمين، وبقي ينزف حتى الصباح، وعثر عليه راعي اغنام من اهالي المنطقة وعرف انه ما زال على قيد الحياة، فأنقذه ونقله على حماره الى بيت الشعر الذي يسكنه وبقي عنده خمسة ايام يعالجه على قدر استطاعته، واوصل لنا الخبر ثم نقلناه الى دارنا في منطقة سوق الشيوخ بسيارة حمل بيكب حمراء لمدة قصيرة، وبعدها نقلناه الى بيوت اشخاص موثوقين في منطقة "آل جويبر" عبر وسيلة النقل في الهور "الشختورة"، وتعافى خلال (45) يوما وعاد الى الدوام في الجامعة واعتقل على الفور حال دخوله، وحسب ما نقل لنا زملائه في الاعتقال انه بقي ثلاثة ايام في أمن البصرة، ثم نقل الى الشعبة الخامسة ببغداد، ومنها اخذ الى سجون خاصة في القصور الرئاسية لغاية العام (1995) واعدم في احواض "التيزاب"، واخبرنا ذلك مجاهدين كانوا معه في نفس العملية، واخرين وجهت لهم اتهامات اخرى من بينهم افرج عنهم لعدم ثبوت التهم عليهم وما زالوا على قيد الحياة الى الآن، ونقلوا لي حوادث ووقائع كثيرة حصلت معهم ومع الشهيد، ولم نتسلم اي جثة له او نستدل على قبر ولا حتى في المقابر الجماعية".
قصة البندقية
هذا المجاهد كانت ترافقه في معاركه بندقيته الخاصة حتى سمي بها "ابو النص اخمص" هذه البندقية فقدت في المعركة التي جرح بها، عن قصتها يكمل شقيقه الحديث قائلا" كل المعارك والمواجهات التي اشترك بها الشهيد كان يستخدم هذه البندقية الكلاشنكوف "نص اخمص"، وبعد ان جرح ونزف في محاولة اغتيال "علي كيمياوي" فقدت تلك البندقية عام (1991) في ارض المواجهة، وبعد (32) عام زارنا احد رفاقه في سنوات الجهاد والمعركة نفسها والذي خرج سالما منها وهاجر للعيش في "كندا"، وبحث عن عائلتنا حتى وصل الينا واخبرنا عن البندقية وصولات الشهيد "ناصر" بها، وما ان دلنا على مكان وجود البندقية حتى باشرنا بالبحث عن مكان وجودها وتواصلنا مع العائلات التي تسكن قرب ساحة المواجهة، واخبرونا ان البندقية اعتبرت من الغنائم واخذها احد سكان منطقة "ام عنيج" ودفنها واخفاها منذ العام (1991) ولغاية العام (2003) ثم اخرجها وتواصلنا مع العائلة التي احتفظت بها، وعن طريق شخص مفاوض تمكن من اعادتها الينا بعد ان اثبتنا بالدليل واقتنعت تلك العائلة بأنها عائدة لولدنا الشهيد الذي قاتل النظام الدكتاتوري البغيض وسلمت الينا في نهاية العام (2023)".
قاسم الحلفي ــ ذي قار
تصوير ــ عمار الخالدي








التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!