ابحث في الموقع

وماذا بعد التطبيع إلَّا الضلال.. عن خطورة الماكنة الإعلامية في تحقيق وشرعنة المشروع الصهيوني

وماذا بعد التطبيع إلَّا الضلال.. عن خطورة الماكنة الإعلامية في تحقيق وشرعنة المشروع الصهيوني
وماذا بعد التطبيع إلَّا الضلال.. عن خطورة الماكنة الإعلامية في تحقيق وشرعنة المشروع الصهيوني

بقلم: علي الراضي الخفاجي

لعلَّ قضية الإعلام في الزمن الحاضر، والمدى الذي وصل إليه من التحكّم واختراق عقول الناس، بات من أخطر الوسائل وأبعدها تأثيراً في صناعة الأفراد وتكوين الجماعات، فالإعلام هو الذي يُحضِّرُ الأمم، أو يقودها نحو التجهيل والانحراف والرضوخ للضغوط، وهو الذي يُوفّرُ القابليات للعمالة على المستويين الحضاري والثقافي، ويعمل على تغيير مبادئها وثوابتها دون أن تعلم، بل لعلَّ نصيب الدعم الإعلامي من الميزانيات في كثير من الدول أصبح يفوق ماتنفقه على الجانبين الصحي والغذائي، فلو سكنتْ أصوات المدافع وطبول الحرب يبقى الإعلام السلاح الأخطر على حياة ومصائر الشعوب.

ما إنْ يصبح نهارَ يومٍ إلّا ويستجدَّ حدثٌ، وقد نسمع خبراً أو دعاية، مايجعل الإنسان إثر ذلك على مفترق طرق لايعلم نهايتها، خصوصاً مع تطور وسائل الإعلام والاتصال إلى الحد الذي استطاعت الماكنة الإعلامية أن توظف الذكاء الصناعي لأنْ يقول مالمْ تقلهُ أو تفكر به، فتشتعل بذلك المنازعات على المستوى الفردي والمحلي أو الدولي.

وقد تعمل هذه الماكنة على صناعة التفاهة لإشغال المجتمع بأمر بعيد عن صلب اهتمامه؛ لتفويت الفرصة عليه وتمرير المخططات التي تصادر ثرواته وقدراته، بل حتى إرادته، وهي في الوقت نفسه تصنع نماذج من التافهين تحت مختلف العناوين(ناشط، ناقد، متحرر، متنور)إلى آخر الأوصاف، وقد يؤدلج عقل هؤلاء لأن يتّهموا الدين بأنه وراء التخلف الذي وصل إليه العالم العربي والإسلامي، وإنَّ النموذج الأمثل للخلاص هي تلك الدول التي تعيش الدَّعة والرَّخاء؛ لأنها طبَّعتْ وخَضَعَتْ واسْتسلَمتْ لواقع الحال الذي أوصلها له أولئك الذين يعملون في الخفاء ويتناجون بالإثم والعدوان.

ولأجل خدمة المشروع الصهيوني فإنَّ كبار أصحاب الصحف والمجلات ورجال الإعلام هم من اليهود الذين بذلوا جهوداً كبيرة لشراء صحف ومجلات ومحطات إذاعة وتلفزيون في دول أوربا الشرقية، وبحسب منظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي:إنَّ لدى اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية(244)صحيفة أو يزيد، منها(158)دورية موزعة بين أمريكا اللاتينية وكندا، و(348)دورية ومجلة في أوربا، استطاع من خلالها اللوبي الصهيوني السيطرة على الكثير من وسائل الإعلام الغربي، ففي بريطانيا على سبيل المثال سيطروا على عشرات الصحف مثل(التايمز)و(الصنداي تايمز)و(صن)، وغيرهن، كما استطاعوا تسخير نحو(70)من كتاب الأعمدة المشهورين على المستوى القومي، يعملون على دسِّ السُمِّ بالعسل.

وقد استطاعت هذه الماكنة أن تُحوِّل الإعلام خصوصاً في بلدان العالم الإسلامي إلى مِعْوَلَ هدْمٍ وتخريبٍ، بدل أن يعمل في التوعية والتنمية والإصلاح، فسخَّرتْ جميع وسائلها بما فيها السينما، كما عملتْ من خلال برامج الأخبار إلى تحويل الضحية إلى قاتل والقاتل إلى ضحية، وقد عرف عن الصهيونية منذ تأسيسها أنها تسيطر وتتحكّم في العالم على ثلاث وسائل: الإعلام، والسلاح، والجنس في مجاله الشاذ أو المبتذل، إضافة إلى توجيه أدواتها وأذرعها لاغتيال العقول والكفاءات، خصوصاً في مجال علوم الفيزياء والذرَّة، بل تعمل حتى في تصفية أصحاب الأقلام الحُرَّة.

إنَّ المشروع الصهيوني ومن أجل تحقيق غايته يراهن على صناعة وتعزيز شعور الانتماء لدولة إسرائيل من خلال استقطاب الشباب العربي والإسلامي ومصادرة عقولهم، وذلك من خلال وسائل تطبيعية تدفعهم إلى الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، ولعلَّ من أخطر هذه الوسائل هي تلك التي تأخذ عناوين علمية وثقافية بعيداً عن الشكل السياسي المباشر، وهو الباب الذي يُوفِّرُ لها مدخلاً للتأثير على العقول والإرادات.

فللتطبيع أجنداتٌ ثقافيةٌ وأكاديميةٌ تقيم برامج ودورات وتؤسس معاهد علمية، قد يكون بعضها مدعوماً من من الأمم المتحدة، وإنَّ أحد أهمِّ مداخل التطبيع الأخرى هو التطبيع الثقافي الذي يشمل الاعتراف بالهوية الإسرائيلية ضمناً من خلال الفن والمبادرات والمهرجانات الثقافية والرياضية، وذلك من خلال الاشتراك مع فرق تضمُّ إسرائيليين، وهي محاولة للاعتراف بهويتهم، وشرعنة للتطبيع وللاعتراف بوجود هذا الكيان اللقيط.

وأصبح من الواضح إنَّ موجة الاعتراف بإسرائيل وتبادل العلاقات معها تكبر يوماً بعد يوم، وكانت الأكبر في تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية حينما ضمَّتْ أربع دول هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان التي عرفت بإتفاقيات إبراهام، حيث جعلوا لها طابعاً دينياً يخدم الايديولوجية اليهودية، وطبيعيٌّ أنها تقتضي فتح مكاتب تجارية وسياحية أو جامعات ومعاهد أكاديمية، أما في الوقت الحاضر فإنَّ دائرة التطبيع والدعوة له قد كبرتْ بعد أحداث أكتوبر وماتبعها من تغييرات في مراكز القوى في المنطقة.

ولايخفى إنَّ مبادئ التطبيع في الوقت الحاضر تختلف عن سابقها على مستوى الشعارات، فعندما كان الشعار(الأرض مقابل السلام)أصبح اليوم(الاقتصاد مقابل السلام)من خلال تبادل العلاقات التجارية المشتركة، أو التحكُّم في اقتصاديات الدول المانعة للتطبيع والضغط عليها، وهي بالتالي تمهيد للاعتراف بالحقوق التاريخية لليهود ودولتهم الموعودة بزعمهم في الكتاب المحرَّف الذي تحدث عن حلم دولتهم من النيل إلى الفرات.

 التطبيع يعني جعل الأمور طبيعية، وهو يشبه السكوت عن الانحراف والباطل، ومن يُطبِّعُ يعني أنه سوف يتنكر لوطنيته وعقيدته وكرامته، ولايخفى إنَّ التطبيع أعمُّ من الصلح؛ لأنَّ الصلح يغلب عليه التوقيت والمصلحة الآنية، أما التطبيع فهو يأخذ امتداداً بعيداً قد تنشأ على واقعه أجيالٌ أبعدُ مايكون عن دائرة تفكيرها واهتمامها البعد التاريخي والموضوعي للنشأة والتحوُّل، إنه مسخٌ واستسلامٌ وتبديلٌ للمواقف، وهو نفاقٌ بعينه، يكونُ فيه الأعداء أصدقاء، ويتحوَّلُ فيه الإنسان إلى مطيَّة لأصحاب المال والقرار.

إنه من الأهمية بمكان، بل الواجب على كلِّ وشريف وغيور أن يُبصِّرَ أبناء الجيل ويعمل على توعيتهم بمخاطر هذا المشروع، وضرورة تضمين المناهج الدراسية في التاريخ والجغرافية بما يخصُّ كيان إسرائيل، ولكي لانكون من الحمقى والمغفلين الذين قال عنهم الإمام علي عليه السلام:(الحمدُ لله الذي جَعَلَ أعداءنا من الحمقاء)، فنكون أعداء دون أن نشعر، وأن يكون مرجعنا في الرفض هو القرآن الكريم الذي أشار إليه تعالى بقوله ((ألمْ تَرَ إلى الذينَ تولَّواْ قوماً غَضِبَ اللهُ عليهمْ ماهُمْ مِنْكُمْ ولامِنْهُمْ ويَحْلُفونَ على الكَذِبِ وهُمْ يَعْلَمُونَ)) المجادلة/14.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!