ابحث في الموقع

"عفو عام" بلا تأهيل.. هل حوّل القانون آمال العدالة إلى مخاوف مجتمعية؟

"عفو عام" بلا تأهيل.. هل حوّل القانون آمال العدالة إلى مخاوف مجتمعية؟
"عفو عام" بلا تأهيل.. هل حوّل القانون آمال العدالة إلى مخاوف مجتمعية؟

بات تطبيق قانون العفو العام، مثار جدل كبير، فبعد أن قوبل بالرفض من قبل جهات متضررة، ظهرت بعض الآثار “السلبية” المترتبة عليه، من بينها ارتكاب بعض المطلق سراحهم وفقا له، جرائم جديدة، في ظل غياب التأهيل، بحسب متخصصين، فضلا عن شمول متهمين بالإرهاب، الأمر الذي أثار مخاوف أبناء المكون الإيزيدي وامتعاضهم.

ويقول الباحث الاجتماعي والأكاديمي أحمد الحداد، إن “قانون العفو العام، يتضمن إعادة محاكمة بعض المشمولين به، ونحن لا ننكر وجود حالات كثيرة في السجون تعرضت للظلم، وتحتاج إلى الإنصاف، ولكن بالمقابل فإن الكثير من المطلق سراحهم وفقا له، ارتكبوا العديد من الجرائم ولم تتم إعادة تأهيلهم”.

ويضيف الحداد، أن “هؤلاء سيعودون إلى ارتكاب ذات الجرائم، وما حصل في حادثة النجف هو خير إثبات، على وجود استعجال في إطلاق سراح عدد من المتهمين المشمولين بقانون العفو العام، والكثير منهم، وخاصة من المتهمين بتعاطي المخدرات، قد عاد لفعله السابق”.

وشهدت محافظة النجف، جريمة بشعة، حين أقدم رجل مطلق سراحه بقانون العفو العام، في 16 آب الحالي، بعد أن كان محكوما بتهمة المخدرات وتهريب السلاح، على تعذيب ابنته ذات الـ14 عاما لأيام قبل وفاتها جراء التعذيب، وهرب لجهة مجهولة.

ويتساءل الحداد، “لماذا لم يتم تأهيل السجين وفق قرار القضاء بالعفو العام، في دورات إرشادية تعيد النزيل إلى الحالة الطبيعية والنفسية كمواطن منتج ويتمتع بسلوك قويم، بدل وضعه داخل المجتمع مثل قنبلة موقوتة وعلى استعداد لارتكاب جرائم أخرى”.

ويشدد على ضرورة “إصلاح وضع المئات من السجناء الذين خرجوا بقانون العفو العام مجتمعيا، لأن البعض تم شموله بالعفو، لكن ما تزال لديه مشاكل مع محيطة الاجتماعي والعشائري، وخاصة من الذين اتهموا بالانتماء للتنظيمات المتطرفة ومنها تنظيم داعش، وخروج هؤلاء دون إصلاح وضعهم سيسبب كوارث أمنية واجتماعية”.

وأقر البرلمان العراقي، في 21 كانون الثاني الماضي، قانون العفو العام بصيغته التي تتضمن منح الفرصة للمحكومين الذين يثبت تعرضهم للتعذيب والإكراه خلال التحقيق، أو المحكومين بناء على وشاية “المخبر السري”، بطلب إعادة محاكمتهم مجددا.

ويشترط قانون العفو العام، إلى جانب التعليمات الصادرة لتنفيذه، وجود مضبطة عشائرية رسمية، موقعة من شيوخ عشائر معترف بهم ومسجلين لدى وزارة الداخلية، تتضمن إثبات دفع الدية من قبل الجاني، وتوثيق تنازل ذوي المجنى عليه عن حقهم الشخصي، وتعد هذه المضبطة وثيقة أساسية تعتمدها المحاكم للنظر في طلبات الشمول بالعفو، خاصة في الجرائم التي تتطلب تسوية اجتماعية إلى جانب الإجراءات القضائية.

ويبلغ عدد السجون في عموم العراق 30 سجنا تابعا لوزارة العدل، وتضم قرابة 60 ألف نزيل بين محكومين وموقوفين على خلفية جرائم جنائية أو إرهابية، ويضم هذا العدد نحو 1500 امرأة، إلى جانب 1500 سجين من الجنسيات العربية، كما يضاف إلى هذه السجون سجن اتحادي آخر يقع في محافظة السليمانية، ويعرف باسم “سجن سوسة”، ويخضع لإدارة وزارة العدل الاتحادية رغم موقعه داخل إقليم كردستان.

وإلى نينوى، وتحديدا قضاء سنجار الذي تسكنه غالبية إيزيدية، حيث لا تتوقف مشاكل هذا القانون، إذ أثير مؤخرا داخل أوساط المجتمع الإيزيدي، ووسائل التواصل الاجتماعي، خبر إطلاق سراح متهم كان ينتمي لتنظيم داعش، وعليه شهادات بممارسته أعمالا ضد أبناء المكون.

أثار الأمر حفيظة الإيزيديين، الذي اعتبروه بمثابة عدم إنصاف لدمائهم، وتحد للمجازر التي حصلت ضد أبناء سنجار، أثناء سيطرة تنظيم داعش على القضاء عام 2014.

وحول هذا الأمر، يبدي النائب الإيزيدي محما خليل، اعتراضه على تطبيق قانون العام، وشموله لعدد من المتهمين بالانتماء لتنظيم داعش، حيث يقول “بتنا نرى الآثار السلبية للقانون، من خلال شموله إطلاق سراح عدد من الإرهابين، والذين ارتكبوا جرائم بحق أبناء المكون الإيزيدي، وهذا يستدعي الوقوف بحزم، لإنصاف الدماء”.

ويردف خليل، أن “التعديل يسمح بالإفلات من العقاب لعناصر تنظيم داعش المسؤول عن الجرائم البشعة والإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الايزيديين في سنجار”، مشيرا إلى ضرورة “محاسبة كل من ساهم أو شارك أو دعم هذه الجرائم بأشكالها المختلفة، بما ينسجم مع التزامات العراق الدولية في محاربة الإرهاب ومنع الإفلات من العقاب، لكن بدلاً من المحاسبة، نرى اليوم إطلاق سراح أشخاص عليهم كل الأدلة التي تثبت تورطهم بإرتكاب الجرائم، وهذا يضر بعملية السلم المجتمعي”.

وكانت مصادر مطلعة، كشفت سابقا، أن هناك تعاملا انتقائيا مع تطبيق قانون العفو العام، وذلك من خلال تغليب الاعتبارات السياسية والطائفية، على معايير العدالة والمساواة أمام القانون، وأن الكثير من المحكومين في قضايا جنائية، مثل الفساد المالي والمخدرات، المشاجرات وجرائم القتل والثأر العشائرية، تم إخراجهم بعد تنازل المشتكي أو تسوية أوضاعهم بدفع الأموال أو عبر تدخلات عشائرية وسياسية.

‎وأطلق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في 14 شباط الماضي، تنبيها بشأن المشمولين بقانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب مؤخرا، محذرا من احتمالية عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام، أو عدم الانسجام الطبيعي مع المجتمع، إذا لم يتم تطبيق برامج معينة لهم قبل إطلاق سراحهم.

إلى ذلك، يبين الخبير القانوني، علي التميمي، أنه “لا يمكن الاعتراض على قرارات اللجان القضائية، لأن هذه القرارات غير قابلة للطعن أمام لجان أخرى”.

ويوضح التميمي، أن “هذا الموضوع لا يقبل الاجتهاد، لأن المحكوم أما يكون مشمول بالعفو أو غير مشمول، وحسب المواد القانونية المشمولة بالعفو، أو غير المشمولة”.

ويشدد على أنه “لا علاقة للحكومة بهذه القرارات، ولاتدخل فيها لأن القرارات الخاصة بالعفو العام، هي قرارات قضائية، ولايجوز التدخل فيها من أي جهة، وفق المادة 74 من الدستور العراقي”.

ويتابع أن “اللجان القضائية تطبق القانون بحذافيره، وليس اجتهادات، والحكومة لا يمكنها سوى تطبيق التعديل الذي صوت عليه البرلمان، ووقع عليه رئيس الجمهورية”، مؤكداً أن “قضية التأهيل النفسي والاجتماعي، طبيعية، ويمكن القيام بها، ولكن دون تأخير لإجراءات إطلاق سراح المتهم المشمول بالقانون”.

 

المصدر: صحيفة العالم الجديد

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!