بعد توتر أمني وعسكري لافت في محافظة السليمانية، تمكنت القوات الأمنية التابعة لرئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، من اعتقال رئيس حزب جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي وشقيقه “بولاد”، الصادرة بحقهما مذكرة اعتقال، وذلك بعد عملية اقتحام لفندق لاله زار حيث كانا يتحصنان.
ويعد الاستهداف حلقة ضمن سلسلة طويلة من الاستهدافات التي طالت لاهور شيخ جنكي نفسه، وشخصيات معارضة بارزة أخرى لسياسات رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.
جاء ذلك بعد اشتباكات مسلحة عنيفة بين حمايات شيخ جنكي ووحدات من مكافحة الإرهاب والكوماندوز وآسايش الاتحاد الوطني الكردستاني استمرت لساعات، سقط على إثرها قتلى وجرحى.
وكانت محكمة تحقيق الأمن في السليمانية قد أصدرت مذكرة توقيف بحق لاهور شيخ جنكي بموجب المادة 56 من قانون العقوبات العراقي، على خلفية قضايا تتعلق بالأمن والنظام العام.
وتصاعد التوتر في السليمانية منذ مساء الخميس (21 آب 2025)، عندما تحركت قوات أمنية مشتركة لتنفيذ مذكرة التوقيف، فطوقت فندق لاله زار، حيث يقيم شيخ جنكي، وطلبت من السكان عبر مكبرات الصوت الابتعاد عن المنطقة.
سرعان ما اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين القوة المهاجمة وحمايات شيخ جنكي، الذين يُقدّر عددهم بالعشرات، وجرى تبادل كثيف لإطلاق النار تخللته أصوات انفجارات شديدة.
وأعلنت مصادر طبية عن مقتل شخصين على الأقل وإصابة ستة أشخاص في حصيلة قابلة للزيادة.
في خضم المواجهات، أصدر شيخ جنكي عدة رسائل مكتوبة وصوتية، وصف فيها الاتهامات ضده بأنها “ذرائع سياسية”، مؤكدا أن منزله محاصر بقوة كبيرة، وأنه يرفض تسليم نفسه.
ومع اتساع رقعة التوتر، شهدت مدينة السليمانية هجومين بطيران مسيّر وإطلاق نار في منطقة دباشان حيث منزل بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني.
يُذكر أن شيخ جنكي شغل منصب الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني، قبل أن يُعزل بقرار من بافل طالباني في تموز 2021 إثر خلافات حادة داخل الحزب. وبعدها أسس حزب “بەرەی گەل” الذي شارك لأول مرة في انتخابات برلمان كردستان عام 2024 وحصل على مقعدين.
تأتي هذه العملية بعد أيام من اعتقال رئيس حراك الجيل الجديد، شاسوار عبدالواحد، بعد اتهامات له بخروق أمنية، وذلك قبل أقل من ثلاثة شهور من موعد الانتخابات التشريعية العامة في البلاد، بما يظهرها كتصفية حسابات مبكرة للخصوم السياسيين.
وتعرضت مؤسسة “جاودير” الثقافية الواقعة في گلاوەژ بمنطقة حي المهندسين في السليمانية. ومقر مالكها القيادي السابق في الاتحاد الوطني والمعارض الحالي له، ملا بختيار، إلى مداهمة نفذتها قوة من الكوماندوز، في أواسط أيلول 2024.
ويعد ملا بختيار، أحد أبرز قيادات الخط الأول في الاتحاد الوطني الكردستاني، والمسؤول السابق لهيئته العاملة، وأحد مؤسسي الحزب برفقة صديقه المقرب رئيس الجمهورية الراحل وزعيم الحزب السابق جلال طالباني، وهو أيضا والد زوجة زعيم الحزب الحالي بافل طالباني.
وكان الكاتب والمحلل السياسي الكردي، آرام مجيد، كشف في تصريح سابق خلال أيلول 2024، عن قرب تشكيل جبهة قوية معارضة لقيادة الحزب الحالية برئاسة بافل طالباني، من قبل خصومه، وأبرزهم: لاهور شيخ جنكي، وملا بختيار (القيادي السابق في الاتحاد)، وبرهم صالح (رئيس الجمهورية السابق)، وشخصيات أخرى.
وأوضح مجيد، حينها، أن “جميع هؤلاء لهم مجموعة كبيرة من المؤيدين، ورغم الاختلافات فيما بينهم، لكنهم سيجتمعون لغرض التصدي لسياسة رئيس الاتحاد بافل طالباني الذي بات الزعيم الأول داخل الحزب”.
جاء ذلك، بالتزامن مع ما نشرته وسائل إعلام كردية، مساء الخميس الماضي، من ان قوات أمنية طوقت منزلي كل من رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، والقيادي السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني ملا بختيار، في مدينة السليمانية.
وبرز للاهور شيخ جنكي بشكل لافت داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يتميز بصفة الحليف المزعج لبغداد، حيث كان يعلن إصراره على “كردستانية كركوك” من جهة، كما حصل في خطاب حماسي بمناسبة عيد النوروز (21 اذار 2018)، بعد زيارة مثيرة للمحافظة، لكنه من جهة أخرى، يرتبط بعلاقات مميزة بالكثير من الشخصيات البارزة في بغداد بينها رئيسا الحكومة الأسبقان نوري المالكي وحيدر العبادي، بالإضافة إلى جهات سياسية وحزبية شيعية متعددة.
وشهدت السنوات الماضية وتحديدا في عام 2021، قيام بافل طالباني، بتجريد ابن عمه لاهور شيخ جنكي من منصب الرئيس المشترك للحزب، فضلا عن الاستيلاء على جميع المؤسسات التي يمتلكها، وتجريد أشقاء جنكي من جميع المناصب التي كانوا يسيطرون عليها، وسحب جميع الامتيازات منهم.
يذكر أن الاتحاد الوطني الكردستاني، شهد أزمة كبيرة تفجرت في الثامن من تموز 2021، بعد إصدار نجيرفإن بارزاني، وباتفاق مع بافل طالباني، أمرا بصفته رئيس الاقليم، بإقالة محمد طالباني، مسؤول قوة “زانياري” الأمنية المرتبطة بالاتحاد الوطني، وهو (ابن أخت لاهور شيخ جنكي وشقيق النائبة السابقة آلا طالباني)، ويعد من أذرع شيخ جنكي، الأمنية في السليمانية، خاصة وأن هذه القوة تعد من أبرز الأجهزة الأمنية في المدينة.
حينها، اعتبر شيخ جنكي، القرار استهدافا مباشرا له، خاصة وأن هناك محاولات جرت لتنفيذه بالقوة العسكرية، وفي تلك الليلة اقترب الخلاف من الانقلاب، لكنه انتهى مؤقتا بهدوء حذر، نتيجة تدخل العديد من الأطراف، وأبرزها رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، الذي توجه الى السليمانية في تلك الساعات.
وعقب تلك الأحداث، تنازل شيخ جنكي، عن الرئاسة المشتركة للاتحاد الوطني الكردستاني إلى بافل طالباني، ومن ثم صدر أمر بطرد شيخ جنكي من اقليم كردستان.
التضييق على شيخ جنكي لم يقف عند حد معين، بل شمل منعه من الظهور أحيانا، كما حصل في كانون الأول 2022، حين امتنعت قناة روداو الكردية عن بث لقاء أجرته معه، بأوامر مباشرة من رئيس الإقليم نجيرفإن بارزاني، بحجة خوض الضيف في ملفات حساسة، شملت اتهامه لقادة في الإقليم بالوقوف وراء عمليات اغتيال، وفتحه ملفات فساد عديدة.
يذكر أن لاهور شيخ جنكي، قد أطلق في 29 أيار 2023، مبادرة صلح مع إدارة الاتحاد الوطني، لـ”التخلي عن السياسة الخاطئة التي تسير عليها الآن، طالما أن الأمور لم تخرج تماما عن السيطرة”، ولكن دون أن يصدر أي رد من قيادة الاتحاد.
جدير بالإشارة، أن شيخ جنكي، رفع دعوى قضائية ضد بافل طالباني، في محكمة استئناف بغداد، بتهمة “مخالفة النظام الداخلي للحزب”، عقب إبعاده من رئاسة الحزب بالتشارك مع قادة آخرين، في ليلة عاصفة شهدت إقصاءه في الثامن من تموز 2021.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!