ابحث في الموقع

البنوك العراقية أمام معركة البقاء.. إصلاح أم إقصاء؟

البنوك العراقية أمام معركة البقاء.. إصلاح أم إقصاء؟
البنوك العراقية أمام معركة البقاء.. إصلاح أم إقصاء؟

لم يعد أمام المصارف العراقية ثمة خيار آخر سوى الاندماج في مسار الإصلاح الذي يقوده البنك المركزي بالتعاون مع شركة استشارية دولية، بعدما تحولت العملية إلى شرط أساسي للبقاء داخل النظام المالي، ومع اقتراب نهاية المهلة، تجد البنوك أنفسها أمام واقع يفرض إعادة الهيكلة، سواء عبر الالتزام الكامل بالمعايير أو الاندماج أو التصفية، ضمن خطة طويلة الأمد تسعى إلى استعادة الثقة وربط العراق مجددا بالأسواق العالمية.

ويقول عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، إن “خطة الإصلاح المصرفي تمثل فرصة جدية لإعادة هيكلة القطاع المالي في العراق وفق معايير دولية واضحة، وهي ليست مجرد إجراءات تقنية، بل مشروع لإعادة بناء الثقة بالمصارف العراقية، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي”.

ويضيف كوجر، أن “الإصلاح لن ينجح إذا اقتصر على البعد الإداري، بل يتطلب إرادة سياسية واضحة تضمن استقلالية القرار المالي بعيدا عن التدخلات الحزبية، فضلا عن توفير بيئة قانونية وتشريعية تساعد المصارف على الالتزام بالمعايير المطلوبة”.

ويبين أن “وجود شريك دولي موثوق يسهم في وضع خارطة طريق دقيقة، ويمنح العراق فرصة للاندماج مجددا في النظام المالي العالمي أمر مهم”، مشددا على أن “الاتفاق مع شركة أمريكية لإعادة هيكلة مصرف الرافدين يمثل جزءا من هذا المشروع الأشمل، ويعد نموذجا يمكن تعميمه على بقية المصارف في حال نجاحه”.

وكان البنك المركزي قد تعاقد العام الماضي مع شركة “أوليفر وايمان” الأمريكية لإجراء دراسة شاملة عن القطاع المصرفي، حيث أنجزت الشركة عملها مؤخرا، بعد أن قدمت تقريرا أوليا قبل ثلاثة أسابيع، ثم أتبعته بالتقرير النهائي الذي تضمن حزمة واسعة من التوصيات والإجراءات.

ويشير التقرير النهائي إلى جملة من الآليات لمعالجة التحديات المصرفية القائمة، وفي مقدمتها تنظيم التعاملات بالدولار، وتعزيز أنظمة الرقابة والامتثال، إذ ما تزال هذه المفاصل قيد النقاش بين البنك المركزي والشركة الاستشارية، في محاولة للتوصل إلى صيغة عملية قابلة للتنفيذ داخل السوق العراقي.

وعقد البنك المركزي العراقي مؤخرا اجتماعين موسّعين مع ممثلي نحو 70 مصرفا في بغداد وأربيل، بمشاركة خبراء شركة “أوليفر وايمان”، لبحث آليات التنفيذ والتحديات المحتملة، إذ أبدت غالبية المصارف رغبتها في الدخول بهذا المسار، في حين ما تزال بعض البنوك مترددة نتيجة الاعتياد على أساليب العمل القديمة.

وتأتي الخطة التي أعدتها الشركة الأمريكية بعد دراسة شاملة للقطاع المصرفي، لتضع مجموعة من الشروط والإجراءات التي رأتها ضرورية لإصلاح المنظومة، فهي تدعو إلى رفع رؤوس الأموال تدريجيا وصولا إلى 400 مليار دينار، وتقليص نفوذ الملكية العائلية، وتعزيز نظم مكافحة غسل الأموال، إلى جانب حثّ البنوك على تبني التحول الرقمي.

من جهته، يرى المختص بالشأن المالي والمصرفي مصطفى أكرم حنتوش، أن “هذه الشروط تمثل تحديا كبيرا للمصارف المعاقبة، إذ من الصعب الالتزام بالزيادة المطلوبة لرأس المال وهي 400 مليار دينار (نحو 300 مليون دولار)، الأمر الذي يتطلب نقاشات بين البنك المركزي وهذه المصارف للوصول إلى صيغة مقبولة”.

ويوضح حنتوش، أن “البنك المركزي قد يفتح حوارا جديدا مع الشركة الاستشارية للوصول إلى حلول وسط، سواء من خلال تمديد فترة زيادة رأس المال إلى أكثر من ثلاث سنوات، أو تخفيض المبالغ المطلوبة لتكون أقرب إلى إمكانيات المصارف العراقية”.

وتسير الخطة الإصلاحية ضمن ثلاث مراحل رئيسية، تمتد حتى عام 2027، وتشمل زيادة تدريجية في رؤوس أموال المصارف، وإعادة هيكلة مجالس إدارتها، إلى جانب تنظيم نسب الملكية، بحيث لا تتجاوز حصة الأقارب 40 بالمائة، خلافا للمعايير الدولية التي تشترط 10 بالمائة فقط، إذ جاءت هذه المرونة استجابة لخصوصية البيئة العراقية، وفق مسؤولين.

وتضع هذه الشروط، أمام المصارف خيارات محدودة بين الاندماج أو التصفية في حال العجز عن الالتزام، وهو ما يمثل التحدي الأكبر أمام البنوك الصغيرة والمعاقَبة، ما دفع إلى طرح مقترحات لفتح حوار جديد مع الشركة الاستشارية، بهدف تعديل بعض المتطلبات، سواء عبر تمديد فترة زيادة رأس المال إلى أكثر من ثلاث سنوات، أو تخفيض المبالغ المطلوبة لرأس المال.

وبحسب المصرفي البارز، محمود داغر، فإن المهلة النهائية لتقديم تعهد الالتزام بمسارات الإصلاح تنتهي في 30 أيلول المقبل، إذ سيبدأ البنك المركزي التقييم الفعلي في الربع الأول من 2026، وستقيم المصارف بناء على مدى التزامها بالمعايير الدولية، وبخلاف ذلك، فإن المصارف غير الملتزمة ستمنع من التعامل بالعملة الأجنبية وستعزل مصرفيا عن النظام الدولي.

وأوضح داغر في تصريحات متلفزة، أن “الخطة تأخذ خصوصية البيئة العراقية بعين الاعتبار، سواء من حيث نسب الملكية أو زيادة رأس المال”، وفيما لفت إلى أن المركزي قد يقبل زيادة تدريجية في رأس المال (50 مليار دينار سنويا حتى 2027) وتعديلات مرنة في نسب الملكية العائلية”، أشار إلى أنه “لن تسحب رخص المصارف فورا، لكنها ستبقى تحت المراقبة، ومع تكرار الإنذارات قد تجبر على خيار الاندماج، وإن فشلت فيه، فستخرج من المنظومة الإصلاحية والمصرفية بالكامل”.

إلى ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، أن “الإصلاح المصرفي ضرورة لا يمكن تجاهلها، لكن الشروط المفروضة تمثل تحديا قاسيا على المصارف، خاصة في ما يتعلق بزيادة رؤوس الأموال بهذه السرعة، فهذه المصارف تعاني أصلا من عقوبات دولية وانخفاض أسهمها في البورصة، ما يجعل من الصعب توفير المبالغ المطلوبة”.

ويوضح عبد ربه، أن “غالبية البنوك العراقية تأسست على أسس عائلية، وبالتالي فإن مطالبتها ببيع 90 بالمائة من حصصها أمر غير واقعي، ويصعب تنفيذه في المدى المنظور”.

ويبين أن “الإجراء النهائي بالنسبة للمصارف غير المستجيبة والمتمثل بالانسحاب أو التصفية، يعد الأخطر، لأنه يضع آلاف المودعين في مواجهة مصير مجهول، فلا يمكن ببساطة تصفية مصرف يضم أموال المودعين من دون إيجاد ضمانات أو حلول واضحة لحماية حقوقهم”، مشيرا إلى أن “البنك المركزي وعد المصارف المتفاعلة مع خطة “أوليفر وايمان” برفع العقوبات الأمريكية عنها، وهو مسار غير مضمون”.

وهي شركة أمريكية استشارية، تأسست في نيويورك عام 1984 على يد رجلي أعمال يدعيان أليكس أوليفر وبيل وايمان، ولها أكثر من 60 مكتبا في أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، ويعمل بها أكثر من خمسة آلاف موظف.

تعمل الشركة في أكثر من قطاع في العراق، حيث أعلنت وزارة النقل في تشرين الثاني نوفمبر 2024، عن التعاقد مع الشركة لتقديم الخدمات الاستشارية لمشروع طريق التنمية.

 

 

المصدر: صحيفة العالم الجديد

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!