ابحث في الموقع

"مجزرة بالسلك الدبلوماسي".. العراق يختار سفراءه من "العائلة"

"مجزرة بالسلك الدبلوماسي".. العراق يختار سفراءه من "العائلة"
"مجزرة بالسلك الدبلوماسي".. العراق يختار سفراءه من "العائلة"

أثار مجلس النواب عاصفة من الجدل، بعد تصويته على قائمة السفراء الجدد المرسلة من الحكومة، وسط اتهامات بتمريرها عبر صفقات حزبية وعائلية بعيدا عن المعايير المهنية والدستورية، وفيما اعتبر نواب ما جرى “انحرافا تشريعيا” و”مجزرة بحق السلك الدبلوماسي”، رأى مراقبون أن القرار يعكس استمرار ثقافة المحاصصة واللامسؤولية السياسية، في حين حذر دبلوماسي سابق من “كوارث مستقبلية” قد تصيب الدبلوماسية العراقية نتيجة هذا النهج.

ويقول عضو مجلس النواب محمد الخفاجي، إن “ما جرى في جلسة اليوم (أمس) مع الأسف الشديد أمر مخزٍ ومرفوض، ويمكن وصفه بأقل تقدير بأنه انحراف تشريعي وسوء استخدام للسلطة، بعد أن تم تغليب المصالح الحزبية والعائلية والسياسية للكتل المعنية بملف السفراء على حساب مصلحة البلد”.

ويضيف الخفاجي، أن “قائمة السفراء التي طرحت للتصويت تضمنت 93 مرشحا لشغل هذا المنصب السيادي، الذي يمثل صورة العراق وعلاقاته الدولية وسياسته الخارجية، في وقت يعاني السلك الدبلوماسي العراقي أصلا من مشكلات كثيرة، لكن هذه القائمة جرى تمريرها بطريقة بائسة، إذ امتنعت رئاسة المجلس ولأكثر من مرة عن تزويد النواب بقوائم الأسماء التي عليها ملاحظات وإشكالات”.

مجزرة للسلك الدبلوماسي
ويتابع الخفاجي أن “آلية التصويت أدرجت بشكل قبيح جدا، فالفقرة لم تكن موجودة أصلا في جدول الأعمال، ولم يتم التصويت حتى على إضافتها، بالأمس خضنا معركة حقيقية وتمكنا من رفع الفقرة بعد كسر النصاب خلال التصويت، لكن اليوم كان هناك إصرار واتفاق بين الكتل على تمريرها، حيث استدعت كل كتلة سياسية نوابها وأعضاءها لضمان الحضور، وهو ما جعل النصاب أعلى من يوم أمس، فمررت الفقرة”.

ويؤكد أن “عملية تمرير القائمة جرت بطريقة مخالفة للنظام الداخلي والقانون والدستور، فقد تم التصويت عليها بطريقة القراءة السريعة الغامضة، إذ طلب التصويت بشكل مفاجئ وأعلن فورا بأن الموافقة تمت دون عدّ أو تحقق من النصاب الفعلي للجلسة أو للتصويت”.

ويشير النائب الخفاجي، إلى أن “هذا الأمر يمثل مجزرة حقيقية بحق السلك الدبلوماسي، فكان الأولى أن تعرض الأسماء بشفافية، وإذا كانت جميعها جيدة كما يقال، فلماذا جرى التعامل معها بسرية وغموض وإخفاء؟”، لافتا إلى أن “النصاب لم يكن متحققا لا للجلسة ولا للتصويت، حيث انسحبنا أثناء التصويت ولم تحسب أصواتنا، ومع ذلك اعتبر أن القائمة مرّت، وهذا يضاف إلى سجل مليء بالأخطاء والانحرافات التشريعية”.

ويتابع قائلا: “أتمنى أن يدرك أبناء الشعب العراقي كيف تدار العملية السياسية، وكيف تمرر مثل هذه القرارات والمناصب السيادية المهمة عبر اتفاقات سياسية مسبقة، ثم تفرض داخل الجلسة بأي ثمن كان”.

ويخلص إلى أنهم “يرفضون بشكل قاطع اعتماد التصويت الإلكتروني أو إحصاء الأصوات الإلكترونية، لأنه لا يخدم مصالحهم، فالقرار يجري إعداده مسبقا بالاتفاقات السياسية بين رؤساء الكتل، ثم يفرض داخل المجلس بمجرد طلب التصويت والإعلان الفوري عن الموافقة، في حين لا يكون عدد المصوتين حقيقيا وربما لا يتجاوز العشرة، رغم أن النصاب يعلن أنه متحقق. وهذا بالضبط ما جرى اليوم”.

وصوت مجلس النواب، خلال جلسته المنعقدة أمس الثلاثاء، على قائمة “السفراء الجدد” المرسلة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وذلك بعد جدل نيابي واسع واعتراضات كبيرة.

وأثار عدد من أعضاء مجلس النواب، الجدل، بعدما تحدثوا عن عدم وجود نصاب قانوني للجلسة عندما شرعت رئاسة المجلس بالتصويت على قائمة السفراء التي ضمت الكثير من الأسماء المرشحة وفقا لاعتبارات القرابة العائلية والحزبية.

ثقافة اللامسؤولية السياسية
من جهته، يرى المحلل السياسي مجاشع التميمي، أن “تصويت البرلمان على قائمة السفراء التي تضم في معظمها أسماء بلا خبرة دبلوماسية، وينتمي أغلبهم إلى أحزاب نافذة أو عائلات سياسية، يكشف بوضوح حجم الخلل في آليات الاختيار والتمثيل”.

ويضيف أن “هذا التوجه يخالف من الناحية القانونية مبدأ تكافؤ الفرص وروح الدستور، الذي يشترط اعتماد الكفاءة والنزاهة في تولي المناصب العليا، بينما تم تفضيل الولاءات الحزبية والعائلية على حساب المهنية”.

ومن الناحية السياسية، يشير التميمي إلى أن “هذا القرار يعكس استمرار نهج المحاصصة، وتحويل الدبلوماسية العراقية إلى أداة نفوذ حزبي وعائلي، بدلا من أن تكون جسرا يخدم مصالح الدولة ويعزز حضورها الخارجي”، مؤكدا أن “الاعتراضات التي أبداها بعض النواب لم تكن كافية أمام الحضور النيابي الضعيف، مما جعل التصويت يفتقر إلى الجدية الأخلاقية والشرعية السياسية”.

ويختم المحلل السياسي، كلامه بالقول إن “ما جرى اليوم لا يضعف صورة العراق في الخارج فقط، بل يكرّس في الداخل ثقافة اللامسؤولية السياسية، ويؤكد أن الطبقة الحاكمة ما زالت بعيدة عن تبني نهج وطني حقيقي في إدارة مؤسسات الدولة”.

وكان النائب أرشد الصالحي، أكد أمس، أن مجلس النواب صوت على قائمة السفراء رغم عدم وجود النصاب القانوني، و”هذا أمر معيب”، مضيفا بالقول: “تم تمرير قائمه السفراء التي تمثل وجه العراق بهذا الشكل لأول مرة في تاريخ البلاد، بهذه الآلية والطريقة غير المقبولة أبدا”.

ولم يتسلم أعضاء مجلس النواب السير الذاتية للمرشحين في قائمة السفراء، وهو ما دفع نوابا، يوم أمس الأول الاثنين، إلى كسر نصاب جلسة البرلمان بعد انعقادها، بسبب طرح رئاسة المجلس فقرة “التصويت على قائمة السفراء”.

كوارث مستقبلية
بدوره، يعتقد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن “الذهاب نحو ترشيح السفراء على أساس القرابة أو الانتماء الحزبي أو الطائفي سيقود وزارة الخارجية إلى “كوارث مستقبلية”.

ويشدد فيصل، وهو دبلوماسي سابق، على أن “القانون يجيز اختيار نسبة محدودة من الشخصيات الكفوءة الوطنية من خارج السلك الدبلوماسي، لكن بشرط الكفاءة والخبرة، لا على أساس الولاءات”.

ويضيف أن “المشكلة لا تكمن في كوادر وزارة الخارجية، بل في فرض شخصيات من خارجها لا تمتلك خبرة في طبيعة العمل الدبلوماسي”، موضحا أن “السفير يفترض أن لا يمثل حزبه أو دينه أو طائفته، بل يمثل الأهداف الوطنية للعراق، وأن منصب السفير بطبيعته منصب رفيع يتطلب شخصية مؤهلة، متخصصة، تتقن اللغات، وتفهم طبيعة المجتمعات والعلاقات الدولية”.

كما يؤكد أن “الدبلوماسيين العراقيين يفترض أن يكونوا مواطنين يمثلون كل القوميات والأديان والمذاهب والثقافات، ويدافعون عن البرنامج الحكومي المقر من البرلمان، ويعملون على تطوير علاقات العراق مع العالم في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية”.

ورحبت وزارة الخارجية، مساء أمس، بتصويت مجلس النواب على قائمة السفراء، وأكدت في بيان أن “هذه الخطوة ستسهم في تعزيز الحضور الدبلوماسي للعراق في الساحة الدولية، وتوسيع شبكة العلاقات مع دول العالم، فضلا عن دعم الجهود الرامية إلى حماية المصالح الوطنية العليا وخدمة أبناء الجالية العراقية في الخارج”، لافتة إلى أن “الوزارة تجدد التزامها بالعمل على تمكين السلك الدبلوماسي من أداء مهامه على نحو يليق بمكانة العراق ودوره الفاعل إقليميا ودوليا”.

إرث ثقيل وخيارات مرة
بدوره، يوضح المحلل السياسي -المقرب من رئيس الحكومة- عائد الهلالي، أن “التصويت على قائمة السفراء في البرلمان جاء بعد انتظار طويل عانت خلاله الأوساط السياسية والشعبية من بقاء هذا الملف عالقا بسبب التجاذبات الحزبية والمصالح الفئوية”.

ويضيف الهلالي، أن “هذه الخطوة التي كان يفترض أن تمثل بوابة لإصلاح جوهري في آليات الاختيار وتكريس مبدأ الكفاءة بعيدا عن المحاصصة، حملت معها الكثير من علامات الاستفهام، بعد أن تضمّنت القائمة أسماء معروفة بانتمائها لعوائل سياسية متنفذة، وهو ما أثار جدلا واسعا وطرح تساؤلات مشروعة حول عجز الدولة عن تقديم شخصيات مستقلة ذات خبرة بعيدة عن الولاءات الحزبية”.

ويوضح أن “الحكومة واجهت إرثا ثقيلا من التوازنات السياسية التي فرضتها المحاصصة منذ عام 2003، إذ ظلت المناصب العليا ومنها المواقع الدبلوماسية رهينة هذه المعادلة، ورغم محاولات الحكومة تقليص النفوذ الحزبي داخل مؤسسات الدولة، إلا أنها اصطدمت بواقع برلماني يفرض التوافق كشرط لتمرير أي ملف”.

ويشير المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، إلى أن “الحكومة وضعت أمام خيارين أحلاهما مر، فإما إبقاء المواقع الدبلوماسية شاغرة بما لذلك من تداعيات سلبية على علاقات العراق الخارجية، أو تمرير القائمة وفق صيغة التوافق لضمان استمرارية العمل في هذا القطاع الحيوي”.

ويؤكد أن “إصرار البرلمان على حسم الملف قبل نهاية الدورة التشريعية، يعكس رغبة الكتل السياسية في تثبيت مواقع نفوذها المستقبلية عبر السفراء، الذين يمثلون واجهات سياسية مهمة في الخارج، وهو ما يكشف استمرار قصور المنظومة السياسية في الفصل بين المصالح الحزبية ومتطلبات الدولة”.

ويخلص الهلالي إلى أن “تمرير هذه الأسماء لا يعني تخلي الحكومة عن مشروعها الإصلاحي، بل هو إجراء اضطراري لتجنب الفراغ الدبلوماسي وحماية مصالح العراق الخارجية. وقد أكدت الحكومة أن الأداء سيكون تحت الرقابة المباشرة، وأن أي تقصير أو استغلال للمنصب سيقابل بالإقالة والمساءلة، بما يضمن بقاء السفارات أذرعا دبلوماسية تخدم العراق ومصالحه العليا، بعيدا عن أي توظيف حزبي أو عائلي”.

 

المصدر: صحيفة العالم الجديد

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!