بقلم: مجاشع التميمي
شهد العالم خلال حرب الاثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تحوّلاً جذرياً في طبيعة الصراع المسلح، حيث لم تعد الأسلحة التقليدية كالدبابات والصواريخ والطائرات من الأجيال السابقة هي العامل الحاسم، بل أفسحت المجال أمام التقنية والاستخبارات المتطورة. هذه الحرب مثلت لحظة فاصلة، إذ كشفت عن بداية عصر جديد تتفوّق فيه القدرات الإلكترونية والاختراقات الأمنية على القوة النارية التقليدية.
إيران، رغم امتلاكها أكثر من خمسة عشر جهازا استخباريا، إلا أنها وجدت نفسها منهكة بفعل الاختراقات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، حيث لعبت عدة ظروف دوراً في كشف هشاشة بنيتها الأمنية. غير أن قراءة هذه الحرب لا يمكن أن تبقى محصورة في زاوية الرؤية الإيرانية، بل تتجاوزها إلى تساؤل مصيري بالنسبة للعراق: ماذا لو كان العراق هو الهدف التالي؟
على المستوى السياسي، يبدو أن انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدة صفقات وأزمات دولية شكّل نعمة للعراق، إذ أبعده نسبياً عن دائرة الاستهداف المباشر. كما أن مواقف بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، إضافة إلى تركيا، أظهرت رغبة بعدم زعزعة الاستقرار الإقليمي. في المقابل، يظل العراق مهدداً بكونه ساحة محتملة للصراعات بالوكالة، خصوصاً بعد مغادرة القوات الأمريكية إلى أربيل وبقاء وجودها هناك، وهو تطور خطير يستدعي مراجعة عاجلة.
ولا يمكن تجاهل ما يحصل في المنطقة من تحركات جيوسياسية متسارعة، تجعل من الضروري أن تدرك القوى السياسية العراقية أن الانسحاب الأمريكي أو حتى التلويح بفرض عقوبات جديدة قد يؤدي إلى انهيار النظام السياسي. وهنا لا مجال للمقارنة مع إيران؛ فالعراق لا يمتلك مقومات الصمود أمام العقوبات، إذ أن اقتصاده يعتمد بشكل أساسي على النفط والدعم الأمريكي المباشر. وأي توقف في تصدير النفط أو رفع واشنطن دعمها المالي سيؤدي إلى نفاد الاحتياطيات ووقوع النظام المالي في أزمة خانقة خلال ساعات.
داخلياً، يواجه العراق تحديات بنيوية في فلسفة عقيدته العسكرية والسياسية. فالسلاح الرسمي وغير الرسمي يبدو عاجزاً أمام القوى الكبرى، وربما يقتصر دوره على النزاعات الداخلية. أما القوى الشيعية، التي باتت أكثر براغماتية، فإنها ما زالت تفتقر إلى مشروع وطني عميق، فيما ينظر بعضها بريبة إلى أداء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، معتبرة أنه لم يحقق تطلعاتها.
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى: إذ إن القوى الشيعية بحاجة إلى أن تتجه نحو النخب والكفاءات الحقيقية القادرة على تقديم حلول واقعية، لا إلى شخصيات سطحية أو مجهولة الانتماء للمكون الشيعي، لأن ذلك سيقود إلى تكرار إخفاقات الماضي ويعمّق الأزمة.
إن العراق اليوم بحاجة إلى إعادة صياغة شاملة لفلسفته العسكرية والاقتصادية والسياسية، تقوم على بناء قوة استراتيجية حقيقية تستثمر في التقنية والاستخبارات، لا في التوازنات الهشة. وإلا، فإن غياب الرؤية العميقة سيجعل البلاد أكثر عرضة للانكشاف أمام الصراعات الكبرى التي تتجاوز حدود المنطقة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!