ابحث في الموقع

"حق المعلومة" أمام البرلمان.. انطلاقة نحو حرية أوسع أم فخ تشريعي للقيود؟

"حق المعلومة" أمام البرلمان.. انطلاقة نحو حرية أوسع أم فخ تشريعي للقيود؟
"حق المعلومة" أمام البرلمان.. انطلاقة نحو حرية أوسع أم فخ تشريعي للقيود؟

بعد أكثر من عقدين من الوعود والمطالبات، يصل البرلمان أخيرا إلى لحظة الحسم بالتصويت على قانون حق الحصول على المعلومة. لكن بدل أن يُنظر إليه كخطوة لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، تفجرت حوله موجة جدل واسعة، مع تحذيرات منظمات حقوقية وصحفية من أن يتحول القانون المرتقب إلى أداة تقييد جديدة، تُفرغ الحق من مضمونه وتُبقي العراقيين أسرى التعتيم والسرية. وبين طموح الشارع وإصرار السلطة، يترقب الجميع ما إذا كان البرلمان سيكتب بداية جديدة لحرية المعلومات، أم يبني جدارا آخر من القيود.

ويقف البرلمان، اليوم الأربعاء، على أعتاب خطوة مفصلية بإدراج قانون حق الحصول على المعلومة للتصويت عليه، غير أن المسودة الحالية للقانون أثارت مخاوف حقوقية، بعدما سجّل المرصد العراقي لحقوق الإنسان جملة من المؤشرات المقلقة، محذرا من أن بعض مواده قد تتحول إلى قيود جديدة بدلا من أن تكون أداة تكفل حرية الوصول إلى المعلومات.

وفي 18 تشرين الأول 2024 اتفقت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والاعلام النيابية، مع ممثلين عن حملة تعديل مسودة قانون “حق الحصول على المعلومة” على إجراء تعديلات جوهرية على المسودة قبل إقرارها، بما يدعم حرية الصحافة ويسهل عمل المؤسسات البحثية ويساهم في مكافحة الفساد وترسيخ الشفافية في مؤسسات الدولة.

وقال المرصد في بيان، إنه يتابع “بقلق بالغ” استعداد مجلس النواب لجلسة التصويت على مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، موضحا أن “الصيغة الحالية للمشروع، وبالرغم من أهميته المبدئية، تتضمن عددا من المواد التي قد تفرغ الحق من مضمونه إذا ما أُقرت دون مراجعة جادة وشفافة”.

ونبه إلى أن “مسودة القانون تُعرّف (المعلومة) بتعداد محدود للأشكال والوثائق، وهو تعريف ضيق قد يُقصي أشكالا أخرى من البيانات (مثل المراسلات الإلكترونية، التوصيات الداخلية، أو الوثائق غير المؤرشفة)، وهذا يتعارض مع مبدأ الشمولية الذي تؤكد عليه المعايير الدولية، حيث يجب أن يشمل الحق كل ما تنتجه أو تحتفظ به السلطات العامة، أيا كان شكله أو وسيلته”.

وفي ملاحظة ثانية، أشار المرصد إلى “الاستثناءات الواسعة (المواد 6 و7)، حيث تتيح المسودة حجب المعلومات المتعلقة بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية والمراسلات الرسمية والمناقصات، دون معايير دقيقة لتحديد الضرورة، مثل هذه الصياغات الفضفاضة تفتح الباب أمام استخدام (حجج واهية) لتقييد الوصول إلى المعلومات ذات الصلة بالمصلحة العامة، خصوصا تلك المتعلقة بالإنفاق العام أو مكافحة الفساد”، مؤكدا أنه “وفق المادة (19/3) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يجب أن تكون القيود استثنائية، محددة، وضرورية، لا أن تكون هي القاعدة”.

ولفت المرصد إلى أن “المسودة تسمح بالطعن في قرارات الرفض، لكن آلية الطعن غير واضحة ولا تضمن وجود هيئة مستقلة فعليا، كما لا تضع مدد زمنية ملزمة لرد الجهات المعنية، وهذا يضعف ضمانات الإنصاف، ويتعارض مع الممارسات الفضلى التي توصي بوجود هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة وقراراتها ملزمة”.

وتابع المرصد ملاحظاته، بالقول: إن ”المسودة تنص على فرض عقوبات على من يُخالف أحكام القانون أو يسيء استخدام المعلومة، ورغم أهمية الردع، فإن الصياغة الحالية قد تُستخدم لمعاقبة الصحفيين أو الناشطين بدلا من حماية حقهم، إذا لم تُحدد بدقة الحالات التي تُشكل خرقا، وهذا يُهدد حرية الصحافة، ويتناقض مع التزامات العراق بموجب العهد الدولي”.

وأكد المرصد أنه “رغم أن القانون يمسّ جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع، إلا أن صياغته لم تُبنَ على مشاورات واسعة مع منظمات المجتمع المدني أو نقابات الصحفيين أو الأكاديميين”، مبينا أن “تشريع قانون بهذا الحجم من دون مشاركة حقيقية يفقده الشرعية المجتمعية، ويثير مخاوف من أنه سيُستخدم كأداة شكلية بدلاً من أن يكون أداة لتعزيز الشفافية”.

وأوصى المرصد بـ”توسيع تعريف المعلومة ليشمل كل ما تحتفظ به السلطات العامة، أياً كان شكله أو وسيلته، انسجاما مع المعايير الدولية، وتقييد الاستثناءات بحيث تكون محدّدة بدقة ومرتبطة بالضرورة القصوى، وبما يتوافق مع المادة (19/3) من العهد الدولي، وإرساء آلية طعن مستقلة وفعالة، تضمن حق الأفراد في مراجعة قرارات الرفض أمام هيئة مستقلة ثم القضاء، وإعادة صياغة العقوبات لضمان ألا تُستخدم ضد الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، وحصرها في حالات إساءة الاستخدام المتعمدة التي تُلحق ضرراً فعلياً، وإشراك المجتمع المدني والإعلاميين والخبراء في أي مراجعة نهائية أو تعديلات لاحقة، ضماناً لشرعية القانون ومطابقته للمعايير الدولية”.

وبعد غياب طويل عن جدول الأعمال تخللته مناقشات مستفيضة، وضع مجلس النواب مشروع قانون حق الحصول على المعلومة ضمن جدول أعمال جلسة اليوم الأربعاء، وسط توقعات بإقرار القانون في حال اكتمال النصاب.

ومنذ شباط الماضي، أعلنت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية رفع قانون حق الحصول على المعلومة إلى رئاسة البرلمان من أجل إدراجه على جدول الأعمال والتصويت عليه من قبل السادة النواب، مؤكدة أن القانون مرّ بمراحل كثيرة وعقدت من أجله الكثير من ورشات العمل وجلسات الاستماع، فضلا عن دراسات ونقاشات مستفيضة داخل اللجنة، إلى أن وصل إلى مرحلة النضوج، ليتوافق مع الدستور والمواثيق الدولية وأيضا يرضي جميع الأطراف.

وكان مجلس الوزراء أقر في 4 تشرين الأول 2023 مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وأحاله إلى مجلس النواب لتشريعه، فيما قام البرلمان بالقراءة الأولى للمشروع في 14 شباط 2024، وقام بالقراءة الثانية في 3 آب العام الماضي.

وأثارت تلك المسودة جدلا كبيرا في الأوساط الصحفية، حيث أعلنت على إثرها 14 منظمة ومؤسسة دولية، في أيلول من العام الماضي، انضمامها إلى نحو 600 صحفي وكاتب وباحث ومدون وناشط عراقي، بينهم مسؤولون في وسائل إعلام ومؤسسات ومنظمات غير حكومية، لحملة تواقيع تطالب البرلمان بإجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون بما يضمن تقليل القيود إلى حدها الأدنى، الأمر الذي لاقى تأييدا من لجنة الإعلام النيابية.

وتراجع العراق مرتبتين في مؤشر 2024 لحرية الصحافة، حيث جاء بالمرتبة 169 عالميا من أصل 180 دولة، في وقت وثقت جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة في العراق”، تسجيل انتهاكات وصلت إلى 333 انتهاكا خلال عام، ما يعكس واقع الصحافة العراقية.

ومنذ نحو عقدين من الزمن يطالب الصحافيون في العراق بإقرار قانون يضمن لهم العمل بحرية ويسهل حصولهم على المعلومات، دون التعرض للمساءلة القانونية أو التهديد والملاحقة، وهم يعانون في ظل عدم تعاون المؤسسات بنوافذها الرسمية معهم وعرقلة منحهم المعلومات بشكل مباشر، ما يساهم في انتشار التسريبات لأهداف خاصة.

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!