ابحث في الموقع

عرعر تحت المجهر.. مخدرات وممنوعات تهدد أمن الحج وتُربك العلاقات العراقية السعودية

عرعر تحت المجهر.. مخدرات وممنوعات تهدد أمن الحج وتُربك العلاقات العراقية السعودية
عرعر تحت المجهر.. مخدرات وممنوعات تهدد أمن الحج وتُربك العلاقات العراقية السعودية

تحولت رحلة الإيمان التي قصد بها المعتمرون العراقيون مكة المكرمة لأداء مناسكهم، فجأة إلى تجربة شاقة عنوانها الانتظار والتحقيق، حين أوقفت السلطات السعودية فجر السبت الماضي، نحو 50 حافلة عراقية عند معبر عرعر الحدودي، بعد ضبطها مواد مخدرة بحوزة اثنين من الركاب، ما أدى إلى تشديد غير مسبوق في إجراءات التفتيش.

وبينما أكدت جهات رسمية أن الحادثة فردية، حذّر مختصون من تكرارها الذي قد يضع سمعة البلاد على المحك، ويفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول قدرته على ضبط حدوده، وحول التداعيات الأمنية والدبلوماسية التي قد تنعكس على علاقاته مع الرياض، في وقت تتوسع فيه تجارة المخدرات داخل البلاد بوتيرة مقلقة.

وفي هذا السياق، يقول مصدر أمني مطلع، إن “خط تهريب بدأ يتشكّل بعد البدء بتسيير الرحلات عبر منفذ عرعر، وهو لا يقتصر على المخدرات والمشروبات الكحولية، بل يمتدّ إلى مواد مربِحة أخرى بحسابات السوق والضرائب داخل السعودية، في مقدّمتها التبغ ومشتقاته من معسّل، وسجائر عادية وإلكترونية وسوائلها، والتي ترتفع أسعارها هناك بفعل ضرائب ورسوم وضريبة قيمة مضافة، ما يجعل الفارق مع السوق العراقي كبيرا، ويدفع أشخاصا وشبكات للمغامرة بكميات تجارية مخفية داخل الحقائب أو تجاويف الحافلات”.

واكتشفت السلطات السعودية في 13 أيلول الحالي، مواد مخدرة مخبأة داخل حقائب اثنين من المعتمرين العراقيين، وعلى الفور جرى اعتقالهما ووقف حركة العبور في منفذ عرعر، لتبدأ إجراءات تفتيش صارمة شملت جميع الحافلات القادمة من العراق، واستمرت عمليات التفتيش حتى صباح اليوم التالي، حيث خضع الركاب إلى فحص دقيق لجميع مقتنياتهم، وتم إنزال بعضهم من الحافلات لساعات طويلة، قبل أن يُسمح لهم بالعبور بعد أكثر من 18 ساعة من التوقف.

ويوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه، أن “مستحضرات التجميل والعناية (شامبو، كريمات، عطور) والمستلزمات التجميلية ذات الطابع الطبي مثل الفيلر والبوتوكس تُستهدف أيضا، إذ تتطلب موافقات وترخيصا طبيا في السعودية، وتترتّب عليها أعباء جمركية وضريبة قيمة مضافة، بينما تتوافر بنسخ أرخص في العراق أو تُجلب من أسواق إقليمية بسعر أقل؛ لذلك تميل الشبكات إلى إدخالها متناثرة بين الأمتعة لتفادي صفة الشحنة التجارية”.

ويشمل التهريب قائمة الأدوية المقيّدة أو غير المصرّح بها سعوديا، وخصوصا المسكنات القوية والمنشطات، والذهب والمعادن الثمينة للاستفادة من فروقات التسعير والرقابة، كما يكشف المصدر.

ويلفت إلى أن “القوات الأمنية ضبطت عدة مرات عمليات تهريب، قبل وصولها إلى منفذ عرعر، أو دخولها السعودية”.

وتُظهر بيانات وزارة الداخلية العراقية، أن ملف المخدرات أخذ بالاتساع بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغ عدد المحكومين في قضايا الاتجار والتعاطي خلال عام 2025 وحده أكثر من 2600 شخص، فيما تشير الإحصاءات الرسمية إلى ضبط ثلاثة أطنان من مادة الكبتاغون والكريستال، إضافة إلى آلاف الأنابيل الطبية المخدرة.

وتؤكد الوزارة أنها نفذت 16 عملية نوعية خارج الحدود بالتعاون مع دول الجوار، ما يؤشر تحول العراق من بلد عبور إلى ساحة استهداف مباشر لشبكات التهريب الإقليمية، الأمر الذي يضاعف الضغوط على الأجهزة الأمنية في المنافذ الحدودية.

وفي الجانب السعودي، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات عن ضبط 142 كيلوغراما من مادة الميثامفيتامين (الشبو) مخبأة داخل حافلة لنقل الركاب، والقبض على عراقيين اثنين في منطقة المدينة المنورة، موضحة أن “العملية تمت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العراقية وجهاز أمن إقليم كردستان - السليمانية، الذي قدّم معلومات دقيقة عن نشاط المتهمين”.

وبحسب مسؤولين فإن التاجرين، هما من أهالي محافظة صلاح الدين، يملكان شركة خاصة للحج والعمرة، وبدءا منذ حوالي ست سنوات بتهريب المواد المخدرة بين العراق والسعودية وتركيا ودول خليجية أخرى، عبر تأشيرات الحج والعمرة الخاصة بهما، فيما تقدر الشحنة الأخيرة إلى السعودية بسعر مليون دولار و270 ألفا.

وتصنف القوانين السعودية، تهريب المخدرات والمشروبات الكحولية ضمن الجرائم الكبرى الموجبة للعقوبة المشددة، التي قد تصل أحكامها إلى الإعدام أو السجن المؤبد، تبعا لحجم المضبوطات وطبيعة الجريمة.

وتشير سوابق قضائية في المملكة إلى تنفيذ أحكام إعدام بحق وافدين من جنسيات مختلفة خلال الأعوام الماضية بتهمة إدخال المخدرات عبر المنافذ البرية والمطارات، فيما صدرت أيضا أحكام بالسجن لمدد طويلة مع غرامات مالية كبيرة.

بدوره، يؤكد الخبير الأمني عدنان الكناني، أن “الحادثة الأخيرة في منفذ عرعر تكشف الحاجة الماسّة إلى توسيع قاعدة المعلومات الاستخبارية المشتركة بين العراق والسعودية، لتشمل شبكات التهريب وأدواتها وأساليبها”.

ويوضح الكناني، أن “التنسيق الأمني الحالي أثبت فعاليته، لكنه ما زال بحاجة إلى تطوير أكبر عبر تبادل فوري ودقيق للمعلومات، وتحديث آليات التفتيش بما يتناسب مع طرق التهريب المتطورة”، مشددا على أن “ما جرى لا ينبغي أن يُحمل على كاهل المعتمرين الذين قصدوا بيت الله الحرام، بل يجب أن يُوجَّه إلى الشبكات الإجرامية التي تحاول استغلالهم كغطاء بشري”.

وخلال الحادثة، عاش المعتمرون العراقيون أوضاعا صعبة، خصوصا أن غالبيتهم من كبار السن والمرضى، حيث أُجبروا على الانتظار في ظروف مناخية قاسية، فيما أكدت مصادر ميدانية أن بعض الحافلات صودرت حتى زجاجات مياهها واستُبدلت بزجاجات مقدمة من الجانب السعودي.

ويرى مختصون أن حادثة عرعر قد تُلقي بظلالها على مسار العلاقات بين بغداد والرياض، لاسيما أن البلدين عملا خلال السنوات الأخيرة على تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وتشير مصادر سياسية إلى أن استمرار أي توترات على المعابر الحدودية قد يفتح باب المزايدات الداخلية في العراق، حيث تُتهم الحكومة أحيانا بالتساهل في حماية سمعة المعتمرين، بينما في السعودية تُعد أي محاولة تهريب مرتبطة بالمعتمرين مسألة حساسة تتعلق بـ”قدسية” الحرمين وأمن الحج والعمرة.

وفي هذا السياق، ينوه عضو لجنة العلاقات الخارجية، مختار الموسوي، إلى أن “الحادثة كشفت ضعف الإجراءات العراقية في السيطرة على هذا الملف، إذ أصبح المهربون يتفننون في إدخال المخدرات إلى العراق وتهريبها إلى الخارج بطرق متطورة، وصلت إلى استخدام الطائرات المسيّرة، واستغلال قوافل المعتمرين البعيدة عن الشبهات”.

ويطالب الموسوي الحكومة بـ”استيراد أحدث أجهزة الكشف عن المخدرات، وتدريب حرس الحدود وتوفير رواتب وتجهيزات مناسبة لهم”، مشددا على أن “عدم معالجة هذا الملف بشكل جذري سيقود العراق إلى طريق اللاعودة في مواجهة آفة المخدرات”.

ويحذّر من أن “يؤدي التهاون في معالجة ملف التهريب إلى تعكير صفو العلاقات بين العراق وجيرانه، خصوصا إذا ما تكررت مثل هذه الحوادث خلال مواسم الحج، ما قد يحرج بغداد دبلوماسيا، وهو أمر من المحتمل أن يدفع باقي الدول نحو فرض قيود إضافية من قبل الدول المجاورة على المسافرين العراقيين”.

 

المصدر: صحيفة العالم الجديد

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!