مع اقتراب موعد الجرس الأول للعام الدراسي الجديد في العراق، تتحول فرحة التلاميذ بالعودة إلى مقاعد الدراسة إلى قلق يومي لدى ذويهم، إذ يقف الآباء والأمهات في مواجهة موجة غلاء متسارعة جعلت أسعار الملابس والقرطاسية تقفز بنحو الثلث مقارنة بالعام الماضي. وبينما تزدحم الأسواق بالطلاب وأسرهم لشراء المستلزمات، يزداد الشعور بالعجز أمام دخل محدود ورواتب لا تواكب تضخم الأسعار، لتتحول عودة المدارس من مناسبة منتظرة إلى معركة اقتصادية تثقل كاهل العائلات العراقية.
وقال أبو علي وهو أب لثلاثة أطفال، “نحن كأهالي لم نعد نرى في موسم المدارس بداية أمل جديد لأطفالنا، بل بداية أزمة جديدة لبيوتنا”.
وأضاف، أن “الراتب الذي بالكاد يسد إيجار البيت وفواتير الكهرباء والدواء، لا يترك لنا مجالا لشراء لوازم المدرسة، حتى أبسط الأشياء مثل دفتر أو قلم باتت تثقل ميزانيتنا”.
بدورها، رأت أم نور، أن “هناك تقصيرا حكوميا واضحا في متابعة ملف التعليم، لا سيما مع اقتراب العام الدراسي الجديد”، مشيرة إلى أن “الأسواق تغلي بالأسعار من دون أي رقابة أو تدخل يخفف عن الأهالي. نحن نعيش سباقا يوميا بين شراء الكتب والملابس والقرطاسية وبين توفير الطعام والفواتير، وفي النهاية نشعر أننا عاجزون عن تلبية احتياجات أطفالنا”.
وأضافت، “من المؤسف أن يصبح تجهيز الطالب للمدرسة هاجسا أكبر من فرحة دخوله إليها”.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي عبد السلام حسن، إن “ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية في العراق ليس معزولا عن المشهد الاقتصادي العام، فهو نتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف النقل والجمارك من المنافذ الحدودية، إضافة إلى تقلبات أسعار الصرف وضعف الرقابة الحكومية للأسواق”.
وأكد، أن “غياب السياسات الداعمة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، جعل المواطن يواجه الأسعار بلا حماية، فيما تفتقر السوق إلى مبادرات حقيقية لضبط الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي للقرطاسية والملابس المدرسية”.
ويحتاج العراق الى 12 ألف مدرسة وفق أرقام وزارتي التربية والتخطيط لإنهاء الاكتظاظ الحاصل في المدارس.
ويعد الفساد الذي تعانيه معظم مؤسسات الدولة العراقية واحدا من أخطر التحديات التي تواجهها المؤسسة التعليمية في البلد، إذ أن تأثيراته بدأت تتفاقم بشكل مستمر من خلال النقص الكبير بأعداد المدارس، والاضطرار إلى الدوام المزدوج فيها، وعدم تجهيزها بالمستلزمات الدراسية من كتب ومقاعد وسبورات وغير ذلك، ما اضطر بعض الأهالي إلى تحمل أعباء توفير مقاعد وكتب لأبنائهم.
وكانت وزارة التربية العراقية قد حددت الـ21 من أيلول الجاري، موعدا لبدء العام الدراسي الجديد.
ويتمثل الدوام الثلاثي، بدمج ثلاثة مدارس في بناية واحدة، تتوزع فيها أوقات الدوام بين الصباحي والظهري والمسائي، ما يعني تقليل ساعات الدوام لاستغلال الوقت بشكل أكثر، وهو الذي يربك الطلبة وإدارات المدارس على حد سواء، فيما تتفاقم المشكلة أكثر مع تداخل عمل إدارتين مختلفتين مع عدد كبير من الطلبة، حيث يبدأ الدوام الأول بين الثامنة و11 صباحا، والثاني بين 11 صباحا و الثالثة مساء، أما الثالث فيكون بين الثالثة والسادسة مساء.
وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الأهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت أعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في أغلب الأحياء السكنية في جميع المحافظات.
وتضمنت مشاريع بناء المدارس في العراق هدرا ماليا كبيرا، إذ كشف تحقيق استقصائي نشرته “العالم الجديد” في العام 2018 عن هدر ما يقرب من مليار دولار على بناء مدارس وهمية، فيما كشفت لجنة النزاهة بمجلس النواب في 16 آب الماضي، عن وجود تزوير وشبهات فساد في العقد المبرم منذ سنة 2017 لبناء 89 مدرسة في الأهوار بالمحافظات الجنوبية.
يذكر أن مشروع بناء المدارس الحديدية، من أبرز المشاريع التي انطوت على شبهات فساد كبيرة، حيث أطلق وزير التربية الأسبق خضير الخزاعي، مشروع بناء المدارس الحديدية في العام 2008، وخصص 282 مليار دينار (نحو 239 مليون دولار حسب سعر الصرف السابق) لبناء 200 مدرسة سريعة، بموجب عقدين منفصلين، يعرفان باسم “دولية 1 ودولية 2”.
ووفقا لتصنيفات منظمة اليونسكو، فإن العراق كان يتبوأ المراتب الأولى عالميا في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه وفق التصنيف الأخير، جاء العراق ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية بما يتجاوز 47 بالمئة.
المصدر: العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!