تتحول الانتخابات العراقية إلى ساحة مزدوجة بين الديمقراطية الرسمية و”السوق السوداء” لشراء الأصوات، حيث تجاوزت أساليب الرشوة المال المباشر إلى هدايا ومغريات غير مألوفة. وتحذر المفوضية العليا للانتخابات من تأثير هذه الممارسات على نزاهة الاستحقاق المقبل، في ظل تساؤلات حول قدرة السلطات على ضبط العملية الانتخابية وضمان إرادة الناخبين بحرية وعدالة.
وقال مساعد الناطق الإعلامي في مفوضية الانتخابات نبراس أبو سودة، بحسب الصحيفة الرسمية، إن “شراء الأصوات جريمة انتخابية وليست مخالفة تنظيمية، والمرشح الذي يمارسها يُحال إلى القضاء المختص للتحقيق والمحاكمة، وفي حال ثبوت شراء الأصوات تُطبق العقوبات الجزائية المنصوصة في القانون ويُستبعد المرشح من الترشح”.
وبينت، أنه “إذا كان المرشح قد خاض الانتخابات وحصل على أصوات مشتراة، فبثبوت الجريمة تُسحب تلك الأصوات وتُعتبر كأنها لم تُمنح له، وفي حال تمت المصادقة على النتائج وانتقل المتهم إلى البرلمان تبقى آليات المساءلة والتعامل معه خاضعة لأحكام القانون البرلماني والإجراءات التشريعية المعمول بها، وقد تتطلب إجراءات لاحقة تتخذها الجهات المختصة”.
وأكدت، أن “البطاقة البايومترية بطاقة رصينة ومحكومة بإجراءات ترصين وحماية مشددة طبقتها المفوضية على جميع مستويات التسجيل والبيانات، ومن غير الممكن (عملياً) استخدام البطاقة البايومترية من قبل شخص آخر لأنها مرتبطة بصاحبها الأصلي والقياسات البايومترية المخزَّنة بها “.
وأوضحت أبو سودة، أن “عملية تقديم مبالغ مالية للناخب مقابل (بطاقته البايومترية) لا تمنح المرشح قدرة على التصويت نيابة عن صاحب البطاقة، بل تمثل في الأساس رشوة أو شراء ذمة أو تأثيرا غير مشروع في إرادة الناخب عبر إغرائه بالمال”.
واشارت الى ان “عملية التصويت سرّية جدا، ولا يمكن لأي شخص سواء كان موظفا في المفوضية أو خارجها التعرف على إرادة الناخب أو معرفة إلى أي مرشح ذهب صوته”، مؤكدة، أن “هذه العملية محمية تقنياً، بحيث لا توجد أي إشارة في ورقة الاقتراع على صاحب الصوت ولا يظهر اسمه أو رقمه الانتخابي أو أي دلالة يمكن أن تحدد هويته، وبالتالي من غير الممكن معرفة أين ذهب صوت الناخب أو لمن صوّت”.
وختمت المتحدثة باسم المفوضية، بالقول: “نذكر ما سبق، لأن بعض المرشحين يحاولون تضليل الناخبين بالقول إن (المفوضية يمكنها معرفة تصويتهم من خلال الاطلاع على ورقة الاقتراع)، وهذا غير صحيح وغير ممكن، ويعدُّ مجرد محاولات للتخويف والتأثير في إرادة الناخب”.
وكان النائب علي البديري، كشف، قبل يومين، عن ممارسات جديدة تتعلق بشراء الأصوات، من بينها تقديم هدايا على شكل أسلحة لشيوخ عشائر، أو ملابس نسائية في بعص الاحيان للناخبات، مؤكدا أن هذه الظواهر تكشف أن شراء الأصوات لم يعد يقتصر على المال فقط، بل اتخذ أشكالا معقدة تستغل البنى التقليدية والعلاقات الاجتماعية لتحقيق مكاسب انتخابية.
وحددت الحكومة العراقية، في وقت سابق، 11 تشرين الثاني المقبل موعداً رسمياً لإجراء الانتخابات التشريعية العامة في البلاد.
وعلى الرغم من أن قانون الانتخابات رقم 4 لسنة 2023 المعدل، وتعديلات مفوضية الانتخابات، حددا بوضوح توقيتات بدء الحملات وضوابطها المالية والإدارية، إلا أن الواقع يشهد استخداما سياسيا مزدوجا للدعاية المبكرة، باعتبارها أداة لترسيخ الوجوه المهيمنة في الذاكرة البصرية والجماهيرية قبل نزول الخصوم إلى الساحة.
وتشهد بعض المحافظات، ولا سيما في مناطقها الشعبية والفقيرة، زيارات متكررة من قبل مرشحين وساسة معروفين، تحت ذريعة متابعة واقع الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين، إذ انتشرت مقاطع فيديو لمرشحين ومرشحات، وهم يتحدثون بنبرة حادة مع أصحاب المولدات الأهلية وبعض المسؤولين المحليين، بلغ حد التجاوز.
وحذّر وزير الخارجية الأسبق، هوشيار زيباري، في 28 آب الماضي، من خطورة استغلال موارد الدولة في العملية الانتخابية المقبلة، معتبرا أن ذلك يهدد نزاهة الاستحقاق الديمقراطي.
وطالب زيباري القضاء العراقي وبعثة الأمم المتحدة (يونامي) والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بـ”اتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين وتسميتهم علنا، لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة”.
وتشير معظم المؤشرات التي يطرحها مراقبون إلى تراجع المشاركة في الانتخابات، بسبب حالة الاستياء الشعبية والإحساس بصعوبة التغيير في النظام السياسي، لا سيما أن الأحزاب تتمسك بمبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية في إدارة الدولة.
وتُقدر بعض الأوساط السياسية والرقابية حجم الصرف في الانتخابات البرلمانية القادمة، بمبلغ يتراوح بين 2.5 إلى 3 تريليون دينار عراقي، وهو رقم صادم يعادل نحو 2 مليار دولار أمريكي، ويثير عشرات الأسئلة حول العدالة الانتخابية، ومشروعية المال المستخدم، وغياب آليات المراقبة والمحاسبة.
وتعد الانتخابات العراقية القادمة، من أكثر الدورات تعقيدا منذ سنوات، بحسب العديد من المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم، ووجود المال السياسي، الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!