ولدت الطفلة "فدك" وهي الرابعة لعائلتها وكانت فرحتهم كبيرة بها، الا انها وبعد أربعين يوما ظهرت عليها اعراض انتفاخ وتورم في البطن، بادرت عائلتها بعرضها على أطباء ولم يكن التشخيص الأول صحيحا، ثم جاؤوا بها الى العاصمة بغداد وهنا شخص لديها ورم سرطاني، وبدأت بطنها بالانتفاخ اكثر وكذلك ساقيها حتى اصبح الورم اكبر من جسدها الغض الصغير، ومع التشخيص كان الرأي الطبي انها في حالة خطرة جدا ولا يمكن لجسدها ان يتلقى الجرعات الكيمياوية، وعلى أهلها تفويض الامر لله تعالى، وبالفعل فوض الاهل امرهم لله لكنه بطريق آخر حيث جاؤوا بها الى مؤسسة وارث الدولية لعلاج الأورام وبحداثتها وتطورها وأجهزتها ومعداتها، وقبل ذلك بخبراتها الطبية العالمية كتب الله لهذه الطفلة النجاة من موت كاد يصحبها الى طريق الآخرة.

القلق والخوف
يسرد "حيدر نوري احمد" والد الطفلة "فدك" من قضاء "طوز خورماتو" في محافظة صلاح الدين والبالغة من العمر حاليا (7) اشهر حالتها لوكالة نون الخبرية بقوله ان "والدتها اخبرتني بعد ان بلغ عمرها (40) يوميا ان بطنها صار فيها انتفاخ، وظننا في بداية الامر انها حالة طبيعية يتعرض لها اغلب الأطفال المولودين حديثا عندما يصابون بالغازات او بعض الامراض الباطنية، فذهبنا بها الى محافظة كركوك القريبة على قضاء "الطوز" وراجعنا مستشفى اهلي فاجري لها فحص السونار الاشعاعي واخبرونا ان لديها تضخم في الكبد اي انها مصابة بمرض باطني في الجهاز الهضمي الدقيق، فاخبرنا الطبيب المتخصص ان علاجها في مستشفى حماية الطفل بمدينة الطب بالعاصمة بغداد، ومكثنا لمدة أسبوع وأجريت لها فحصوات اشعاعية بالرنين والسونار والمفراس، وظهرت النتيجة انها مصابة بورم سرطاني، وبسبب الزخم الكبير للمرضى الأطفال قررنا الانتقال الى مستشفى آخر فاقترح علينا اقاربنا السفر الى تركيا او ايران لعلاجها ولكن العامل المادي وقف عائقا امامنا كوننا من عائلة محدودة الدخل، وبعد ان يأسنا من علاجها وعن طريق احد العاملين في مؤسسة وارث الدولية لعلاج الأورام من أهالي مدينتا جئنا الى هنا والبكاء كان رفيق دربنا بعد ان اصبح عمرها حوالي شهرين".

في مؤسسة وارث
دخلنا الى مؤسسة وارث وابهرنا ما موجود فيها من حداثة وتطور هكذا يصف والد "فدك" لحظاتهم الأولى ويضيف قائلا ان "انتفاخ البطن صار اكبر من جسدها الغض، وكذلك تورمت رجليها وأول خطوة كانت مراجعة الدكتورة "شيماء" في العيادة الاستشارية، وعلى الفور اتصلت بالدكتور "حنفي" الذي اسمع بإسمه لأول مرة، وكنت اظن انهم يكملون عملية رقودها بالمستشفى لكن جاء الدكتور وما ان وقعت عيناه على "فدك" نطق باللهجة المصرية جملة "دي حاجة لذيذة" وهذه الجملة اعطتنا اطمئنانا كنا بأمس الحاجة له، "، وتشارك والدة "فدك بالحديث فتقول ان" الدكتور "حنفي" عالجنا قبل علاج ابنتنا لأننا تعرضنا لصدمة شديدة عندما اخبرتنا طبيبة ان مرض ابنتنا صعب ونادر ولا تتحمل العلاج الكيمياوي، وادخلتنا في حالة يأس وهو هدأ من روعنا"، ويعود الاب ليشرح الحالة بقوله" حالة ابنتي لم تحصل في عائلتنا او منطقتنا والآن وقد زال الورم من بطنها وساقيها وعادت عافيتها وتحركت رجليها واستقرت حالتها بفضل الجهود الجبارة التي بذلها الدكتور "حنفي" وجميع الطاقم الساند له، وبفضل الله والمرجعية الدينية العليا والعتبة الحسينية المقدسة التي تكفلت بعلاجها المجاني واستضافتنا واطعامنا مجانا، بينما اضطر الكثير ممن لديهم مرضى سرطان الى بيع بيوتهم او سيارات او مصوغاتهم الذهبية لعلاجهم".

طبيب حاذق
رئيس قسم اورام الأطفال في مؤسسة وارث الدولية لعلاج الأورام ومدير برنامج زراعة نخاع العظم في مستشفى المجتبى الدكتور "حنفي احمد حافظ" ذلك الطبيب الحاذق الماهر الذي يمتلك خبرات عالمية في علاج أنواع متعددة من السرطان يدلي برأيه الطبي كونه المسؤول المباشر عن علاج الطفلة "فدك" والذي بذل قصارى جهده ومعه فريقه الطبي لينقذها من موت كان يحوم حولها ويقول لوكالة نون الخبرية ان "الطفلة "فدك" عندما جاء بها أهلها الى المستشفى كان عندها ورم في البطن، وكان ظاهرا من الفحوصات الاشعاعية المقطعية والرنين انه ورم من "العقد العصبية" وهو نوع من الأورام له درجات عدة ومنها درجات عالية الخطورة، ويحتاج الى تشخيص دقيق لتحديد نوع الخطورة لا سيما ان التحاليل أصبحت متطورة الآن ومتوفرة في مؤسسة وارث الدولية لعلاج الأورام، بما فيها تحليل النسيج نفسه والتعرف على نوع الخلايا التي هي الأخرى لها درجات، كما نجري تحاليل للعوامل الجينية على خلايا الورم، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان عمر المريض في حالات عدة يعتبر ميزة له، وعمر الطفلة "فدك" الصغير فيه خطورة على حالتها المرضية".

صعوبات وتحديات
ويشرح الدكتور "حنفي" الصعوبات والتحديات التي تتعلق بعلاج هذه الطفلة قائلا ان "التشخيص حدد درجة الخطورة انها من النوع المتوسط وليس العالي لكن حجم الورم كان كبيرا جدا جدا ولا يمكن رفعه بإجراء عملية جراحية، ولذلك اول مشكلة واجهتنا هي ان هذا الورم الكبير يضغط على أعصاب العمود الفقري، لذلك ولد ضعفا على الجزء السفلي من الجسم وحركة الارجل، كما كان الورم ضاغطا أيضا على الاوردة التي تغذي القدم فسبب حصول جلطة في القدم اليمنى، كما أصيبت بفتحة ولادية في القلب وحالة اسهال، وكل حالة من تلك الاعراض يمكن ان تؤدي الى عوامل اسوء مما هي عليه، وفرضت على إجراءات علاجها مراقبة دقيقة جدا، وأول خطوة اخذنا العينة لنجري تحليل دقيق لتشخيصها وتحديد نوع العلاج، اما المشاكل الأخرى التي واجهتنا هو العلاج الكيمياوي في هذا العمر الصغير ولا توجد إجراءات محددة لعلاج هذا العمر لان كل مريض يحسب في اعداد الجرعة وزن جسمه ومساحة الورم، ولان أي خطأ بسيط في جرعتها ستؤدي الى مضاعفات خطيرة جدا، ولكي اضمن ان جميع الإجراءات دقيقة جدا كنت بعد ما تحدد كل جرعة من العلاج الكيمياوي من قبل طبيبين متخصصين للطفلة "فدك" اطلع على ما سيفعله الصيادلة المتخصصون بنفسي على الورقتين اللتين يتم خلالهما التحضير للجرعة، واعطيت للجميع تعليمات مشددة مفادها ان "فدك" لا احد يتخذ بعلاجها اي اجراء ما لم يراجعني واوافق عليه، كما كنت اكلف احد الصيادلة المسؤولين للتأكد من اجراء يسمى "الفوارغ"، وهو سحب كمية مثلا مقدارها نصف سنتيمتر ومن مجموع سنتيمترين، والمشكلة الثانية التي واجهتنا هي "الكانيولا" التي سيضخ فيها العلاج لجسدها، لان أوردتها ضعيفة جدا والعلاج الكيمياوي يحتاج الى "كانيولا" بسعة جيدة ليضخ من خلالها العلاج، وكانت لا تتحمل تركيب "الكانيولا"، وعندما حاولنا تركيبها في الجزء السفلي كانت الجلطات التي أصيبت بها لا تسمح للجهاز ان يستقر لفترة معتد بها، فكنا نحاول ان نركب لها جهاز وريد مركزي مؤقت نعطيها فيه الجرعة وتخرج لنضمن انها تأخذ العلاج بمواعيد مضبوطة ولا تحصل اية مضاعفات".

جرعات وتقييم
ويستمر الطبيب الماهر "حنفي احمد حافظ" ببيان قصة هذه الطفلة المريضة قائلا "بعد إعطائها اربع جرعات أجرينا تقييما لحالتها ووجدنا استجابة جيدة جدا للعلاج، واليوم جئت لأحدد حاجتها من الجرعات من عدمه بعد ان اختفى الورم والانتفاخ من جسدها بنسبة (90) بالمئة مما كانت عليه، بدون اجراء أي عملية جراحية، لان الورم كان في مكان من الصعب جدا اجراء أي تداخل جراحي فيه حيث ظهر في مركز البطن امام العمود الفقري ويمتد الى الخلف نحو العمود الفقري وضغط على الاعصاب، ومن الامام اصبح يحيط بالأوردة والشرايين وهناك صعوبة كبيرة في اجراء عملية جراحية، واستمر علاجها المجاني بتكلفة مدفوعة من العتبة الحسينية المقدسة لمدة خمسة اشهر، وتحتاج الى جرعتي علاج كيمياوي لمعالجة جزء صغير أخير من الورم لتكتمل رحلة علاجها بشكل تام، وتعتبر حالتها من الحالات الخطرة والصعبة والمعقدة".




قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير: عمار الخالدي
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!