ابحث في الموقع

مشاريع اللحظات الأخيرة للحكومة.. تنمية حقيقية أم حملات انتخابية؟

مشاريع اللحظات الأخيرة للحكومة.. تنمية حقيقية أم حملات انتخابية؟
مشاريع اللحظات الأخيرة للحكومة.. تنمية حقيقية أم حملات انتخابية؟
زخم غير مسبوق شهده الأسبوع الأخير قبيل الانتخابات، من المبادرات والاتفاقيات والمشاريع التي أطلقها رئيس الوزراء -المنتهية ولايته- محمد شياع السوداني، بدءاً من برامج دعم النساء، إلى الاتفاقيات الدولية، ووضع أحجار الأساس لمشاريع مختلفة، ما طرح أسئلة جوهرية حول مصير تلك المشاريع، في ظل تغيّر الكابينة الحكومية، وارتهانها بمعادلات سياسية ومالية وقانونية تحكم عمل الحكومة المقبلة.

ويقول الباحث والأكاديمي مجاشع التميمي، إن “المبادرات والاتفاقيات والمشاريع التي أطلقها السوداني في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، سواء مبادرة بصمة لدعم النساء، أو إلغاء شرط الكفيل في القروض، أو الاتفاقية مع تركيا، أو وضع أحجار أساس لمشاريع خدمية متعددة، لا تسقط تلقائياً بتغيير الكابينة الحكومية، لأنها صدرت عن حكومة كاملة الصلاحيات وثُبتت بقرارات رسمية ومالية”.

ويضيف التميمي، أن “هذه القرارات ستخضع لقاعدة ثابتة في القانون الإداري العراقي، وهي مبدأ استمرارية المرفق العام، الذي يمنع تعطيل القرارات التنفيذية ما لم تُلغَ أو تُعدل بقرار لاحق صادر من حكومة قائمة وبسند قانوني واضح”، مؤكداً أن “الحكومة الجديدة ستكون أمام واجب مراجعتها وليس شطبها تلقائياً”.

ويبين أن “مصير هذه المبادرات يتوقف على ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولها التخصيصات المالية في موازنة السنوات المقبلة، إذ تستطيع الحكومة الجديدة تعديل أولوياتها أو تقليص التمويل أو حتى تجميده، وثانيها الإرادة السياسية للائتلاف الحاكم، فكل مبادرة قابلة للتعزيز أو إعادة التقييم داخل مجلس الوزراء الجديد، وثالثها طبيعة الاتفاقيات الدولية، مثل الاتفاق مع تركيا، فهي ملزمة للدولة العراقية بوصفها شخصية معنوية، وليست مرتبطة بحكومة بعينها، وبالتالي استمرارها مرجح ما لم يتم الاتفاق على إعادة صياغتها، وهو أمر مستبعد لأن توقيتها جاء ضمن ظروف مدروسة للطرفين”.

ويشير الباحث والأكاديمي، إلى أن “اللافت في توقيت إطلاق هذه المبادرات قبل أيام من الانتخابات، هو البعد السياسي الواضح، إذ سعى السوداني إلى تعظيم رصيد الإنجاز ورفع الثقة الشعبية بائتلافه، لكن ذلك لا يلغي الأثر القانوني للقرارات، بل يضع الحكومة اللاحقة أمام التزام أخلاقي- قانوني بمراجعتها أو تبنيها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة”.

وشهد الأسبوع الأخير قبل الانتخابات تكثيفاً لافتاً في مشاريع البنى التحتية التي أطلقها رئيس الوزراء -المنتهية ولايته- محمد شياع السوداني، إذ دُشّنت ثلاثة مشاريع متكاملة للمياه في الديوانية بكلفة 114 مليار دينار، تشمل الشافعية ونفّر والصلاحية. كما أُطلقت حزمة مشاريع كبرى في محافظة صلاح الدين، أبرزها مشروع البنى التحتية لمدينة سامراء بكلفة تجاوزت التريليون دينار، إضافة إلى مشروع ماء بيجي – الصينية وشبكات الصرف الصحي في تكريت.

وإلى جانب المشاريع المحلية، رعى السوداني توقيع الآلية التنفيذية لاتفاقية المياه العراقية - التركية، مؤكداً أنها تمثّل مساراً طويل الأمد لحل أزمة الشح وتعزيز التعاون الإقليمي. كما أُحيل عقد تطوير مطار بغداد الدولي إلى ائتلاف عالمي سيُحدث توسعة كبرى للمطار خلال السنوات المقبلة.

 وفي المجال المالي، أطلق السوداني مبادرة “بصمة” لتقديم القروض الميسّرة للنساء لتمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة، بالتعاون مع المصارف الوطنية، في خطوة وُصفت بأنها تتويج لبرامج التمكين الاقتصادي التي تبنتها الحكومة خلال العامين الماضيين، في الوقت نفسه أصدر رئيس الوزراء توجيها بإلغاء ضمانة الكفيل في قروض السكن ليحل محله التأمين.

من جهته، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، إن “جميع ما أبرمه رئيس مجلس الوزراء من عقود ومذكرات تفاهم، سواء مع تركيا أو غيرها، تعد نافذة بمجرد التوقيع عليها من قبله أو من قبل الوزير المختص، باعتبار أن رئيس الوزراء هو الممثل الرسمي للدولة العراقية”.

ويضيف التميمي، أن “المعاهدات فقط هي التي يوقع عليها رئيس الوزراء بالأحرف الأولى، ثم تُعرض لاحقاً على البرلمان للمصادقة وإصدار قانون خاص بها، وذلك وفق قانون المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، ووفق المواد 2 و5 منه، وكذلك المواد 61 و78 من الدستور العراقي، إضافة إلى المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة”.

ويشير إلى أن “هناك فرقاً جوهرياً بين مذكرات التفاهم والعقود والاتفاقيات؛ فالاتفاقيات حصراً هي التي تحتاج إلى مصادقة البرلمان، أما ما وقعه السوداني مؤخراً فهو مذكرات تفاهم وعقود لا تتطلب المصادقة البرلمانية”.

وحول دخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال اليومية، يوضح الخبير القانوني، بأن “هذه المرحلة تغير تماماً من صلاحياتها، فتكون ناقصة الصلاحيات، ومهمتها تسيير الأعمال الضرورية فقط في المراحل الانتقالية أو الانتخابية، ولا يحق لها البت في القضايا المصيرية، وفقاً لمبدأ استمرار المرافق العامة الذي يمنع تعطيل شؤون المواطنين والدولة”.

ويتابع أن “الأعمال المسموح بها لحكومة تصريف الأعمال هي الأعمال العادية غير المصيرية التي لا تتوقف الحياة عليها، وقد حدد الدستور العراقي هذه المدة بثلاثين يوماً وفق المادتين 61 و64، وهو ما يجري العمل به أيضاً في دساتير دول عديدة مثل ألمانيا وجنوب أفريقيا، على ألا تكون المدة طويلة إلا في حدود المصلحة الوطنية”.

ويضيف أن “رقابة هذه الحكومة تكون عبر القضاء الإداري أو المحكمة الاتحادية، ويمكن الطعن بقراراتها وفق ما يعرف بالطعن الضيق”، لافتاً إلى أنه “لا يحق لحكومة تصريف الأعمال اقتراح تعديل الدستور أو تشريع القوانين أو عقد الاتفاقيات أو الدخول في عقود دولية أو إجراء تعيينات عليا… فكل ما يحتاج إلى رقابة برلمانية يكون محظوراً عليها لأنها حكومة منتهية بانتهاء البرلمان الذي جاءت منه”.

ويبين التميمي أن ما يحق لحكومة تصريف الأعمال هو فقط الأعمال الروتينية البسيطة، مثل “توقيع العقود بين الوزارات أو صرف الرواتب من خلال سحب الأموال اللازمة لذلك”، مشيراً إلى أن “مدى عملها يجب ألا يتجاوز شهراً واحداً، أو يبقى قائماً لحين تشكيل الحكومة الجديدة”.

ويحذر من أن “حكومة تصريف الأعمال قد تتعرض للمساءلة إذا تجاوزت حدود صلاحياتها، سواء من القضاء أو البرلمان الحالي، وفق المواد 329 و240 من قانون العقوبات”، مبيناً أن “الحكومة الجديدة تستطيع إلغاء أي قرار اتخذته حكومة تصريف الأعمال، كما حصل حين ألغت حكومة عادل عبد المهدي قرارات حكومة العبادي في فترة تصريف الأمور اليومية”.

وتصاعد الجدل السياسي مؤخراً حول سلسلة المشاريع والمبادرات التي افتتحها أو أطلقها السوداني في الأيام الأخيرة، وسط اتهامات من قوى سياسية ومرشحين بأن هذه الخطوات تمثل استخداماً للمال العام والنفوذ الحكومي في الترويج الانتخابي، وتركّزت الانتقادات على توقيت الإعلان عن مشاريع خدمية كبرى، وتوقيع اتفاقيات دولية، وإطلاق مبادرات مالية واجتماعية.

وترافق هذا الجدل مع دعوات من أطراف سياسية إلى ضبط حياد السلطة التنفيذية خلال فترة الانتخابات، بينما دعت أطراف أخرى إلى دور رقابي أكثر حزماً من المفوضية العليا للانتخابات لضمان عدم توظيف موارد الدولة في الحملات الانتخابية، كالدعوى التي أقامها النائب مصطفى سند وردتها المفوضية.

إلى ذلك، يعتقد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن “جميع المبادرات والمشاريع والاتفاقيات التي أطلقها السوداني في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات هي قرارات رسمية مكتملة الأركان، وبالتالي فإنها ستأخذ طريقها إلى التنفيذ وفق النقل القانوني والإداري المتعارف عليه في الدولة العراقية”.

ويضيف فيصل، أن “هذه المبادرات لا تُعد وعوداً انتخابية بالمعنى التقليدي، لأنها صدرت عن حكومة تمتلك كامل الصلاحيات التنفيذية، وتم تثبيتها بقرارات حكومية ووزارية موثقة، وبالتالي فهي تدخل ضمن إطار استمرارية الدولة، لا ضمن إطار تغير الحكومات، ما لم يصدر قرار حكومي لاحق يوقفها أو يعيد صياغتها”.

ويتابع قائلاً إن “كل حكومة جديدة ستجد نفسها أمام مسؤولية مراجعة هذه القرارات وفق أولوياتها، لكنها لن تكون قادرة على شطبها بالكامل، لأن أي خطوة من هذا النوع تحتاج إلى مبررات قانونية ومالية واضحة”، مؤكدا أن “التوقيت الانتخابي لإعلان هذه المبادرات لا يلغي قيمتها التنفيذية، لكنه يعكس رغبة السوداني في تعزيز منجزه السياسي أمام الناخبين”.



المصدر: العالم الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!