ولا يقتصر هذا التطور على تقليص زمن العبور وتعزيز حركة التجارة، بل يمتد إلى مسعى حكومي لإعادة إدماج العراق في شبكات الإمداد الإقليمية والدولية، وتحويل موقعه الجغرافي إلى رافعة اقتصادية فاعلة بعد سنوات من التراجع والعزلة، بحسب مسؤولين وخبراء اقتصاد.
هذه التحركات تأتي في سياق أوسع يتصل بجهود الحكومة لتنويع الاقتصاد، وتقليل كلف الاستيراد، وتحسين كفاءة المنافذ البحرية، في وقت يشهد فيه العالم تحولات متسارعة في سلاسل التوريد والتجارة الدولية، نتيجة الأزمات الجيوسياسية وتداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وفقاً لمتخصصين.
وذكرت الشركة العامة لموانئ العراق، في بيان، أنها دشّنت خطاً بحرياً دولياً مباشراً يربط ميناء راشد الإماراتي بميناء أم قصر العراقي، مع وصول أول شحنة من عربات النقل بنظام التير إلى الميناء، في خطوةٍ تهدف إلى تعزيز حركة التجارة وتقليص زمن العبور البحري.
وقال معاون المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق، عبد السادة خلف، إن إطلاق الخط الجديد يعمل بزمن عبور لا يتجاوز 36 ساعة، وبطاقة استيعابية تصل إلى 145 عربة مقطورة مرافقة في كل رحلة.
توجّه لفتح خطوط ملاحية
قال المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن التوجه الحكومي لفتح خطوط ملاحية جديدة وربط الموانئ العراقية بموانئ الشرق الأوسط وشرق آسيا يستند إلى عاملين رئيسيين؛ أولهما الحاجة إلى تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد وتقليل كلف النقل وزمنه، وثانيهما الموقع الجيو-اقتصادي المميّز للعراق.
وأوضح صالح، أن العراق يُعدّ ممراً حيوياً يربط شمال العالم بجنوبه، ويمثّل فضاءً اقتصادياً منفتحاً بين أسواق العالم وتجاذباتها المالية والتجارية، بما يوفّر بيئةً مناسبةً لتمركز أنشطة وأسواق مالية وتجارية إقليمية، ستتمحور في جانب مهم منها حول استراتيجية مشروع التنمية الذي يربط أوروبا بدول الخليج عبر الأراضي العراقية.
وأضاف أن إعلان وصول أولى السفن التجارية عبر الخط الملاحي الجديد الرابط بين ميناءي أم قصر وراشد الإماراتي، وما رافقه من كشف عن خطط استراتيجية لربط الموانئ العراقية بموانئ الشرق الأوسط وشرق آسيا، يعكس توجهاً حكومياً واضحاً لإعادة إدماج العراق في شبكات النقل والتجارة الدولية.
وأشار إلى أن هناك توجّهاً حكومياً لفتح خطوط ملاحية إضافية، تبدأ بربط العراق بموانئ دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها سلطنة عُمان كمرحلة أولى، على أن تتبعها خطوات لاحقة لربط الموانئ العراقية بموانئ شرق آسيا، مؤكداً أن هذه التحركات تهدف إلى تعزيز سلاسل الإمداد وتوسيع الخدمات البحرية للعراق على المستوى الدولي، ودعم دوره محور عبور إقليمياً في التجارة العالمية.
العراق والجدوى الاقتصادية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي كريم الحلو إنّ أهمية الخط البحري الدولي الجديد لا تكمن في عدد الرحلات أو زمن العبور فقط، بل في تأثيره المحتمل في هيكل الكلفة في الاقتصاد العراقي، إذ يفتح لأول مرة إمكانية إعادة تسعير النقل الخارجي على أسس أكثر كفاءة، ويمنح المستوردين والمنتجين هامشاً أوسع للتخطيط وتقليل المخاطر المرتبطة بتذبذب الإمدادات.
وأوضح الحلو، أن العراق يعاني تاريخياً من كلفة اللوجستيات، إذ تشكّل أجور النقل والتأخير والتخليص جزءاً كبيراً من سعر السلع النهائية، ما انعكس سلباً على القدرة التنافسية للأسواق المحلية، وأن أي مسار بحري منتظم وموثوق يمثّل أداةً اقتصاديةً لتقليص الكلفة الخفية التي يتحمّلها المستهلك والقطاع الخاص.
وأشار إلى أن المعوق الحقيقي أمام تقدم العراق بحرياً لا يتمثل في غياب الخطوط، بل في ضعف البيئة التشغيلية المحيطة بها، مثل محدودية الخدمات ذات القيمة المضافة داخل الموانئ، وغياب مناطق لوجستية متكاملة، وعدم استقرار سياسات التسعير والرسوم، وهي عناصر تجعل الخطوط البحرية تعمل من دون أثر اقتصادي عميق.
وأضاف أن الدول المتقدّمة بحرياً لا تقيس نجاحها بعدد السفن، بل بقدرتها على تحويل الموانئ إلى منصات اقتصادية تُنتج خدمات، وتُعيد التصدير، وتخلق صناعات مساندة، ما يتطلّب من العراق الانتقال من إدارة الميناء بوصفه مرفقاً خدمياً إلى اعتباره أصلاً اقتصادياً منتجاً.
التعليقات
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!