ما يثير الاستغراب ويبعث على الشجن إن بعض الحوادث النوعية التي تحمل في طياتها شحنة كبيرة جدا من الإجرام والسادية المفرطة والكثير من دلائل الاستهانة باسط حقوق الإنسان دينية كانت او قانونية او عرفية أو غير ذلك بعيدا عن ابسط متطلبات المواطنة ذات الوشائج المشتركة مابين أفراد يتعايشون ضمن نسق وطني وجغرافي واحد وبعيدا عن المواطنية الحقة وعن أي هامش مقبول من هوامش الإنسانية المحضة وبغرائبية غير مفهومة او منطقية او مبررة في جميع الأنساق حتى تلك التي تعاني من الاحتقان الطائفي المزمن او التسرطن العنصري او الشوفيني المتأزم على مدى التاريخ.
وقد تكون مأساة عرس الدجيل واحدة مما لا يحصى من سلسلة مواجع وفواجع الزلزال الطائفي / المناطقي / الحزبوي الذي عم بفوضاه البلاد وحتى المناطق التي لم تشهد موجات مباشرة من ذلك الزلزال فقد ناءت بأحمال ثقال جراء موجاته الارتدادية .. وقد تكون هناك مآس ٍ مماثلة أو طواها النسيان او قيدت ضد فاعل \"مجهول\" او أسدلت دونها حجب وأستار قد تكشف عنها حوادث أخرى او قد تلعب الصدفة في كشف ملابساتها بعد أن كانت مجرد خيوط مبهمة وعسيرة عن الفهم والإدراك كما حدث لمنفذي جريمة العرس الدموي حيث إن الرأس المدبر كان عبارة عن \"إخطبوط\" متغلغل في الكثير من مفاصل الدولة العراقية ويتمتع بصفة حزبوية على المستوى الرفيع وله نشاطات اجتماعية متعددة في منظمات المجتمع المدني وغيرها ...
سايكلوجيا وسيوسولوجيا ان مسألة القتل الجماعي \"التطهيري\" وبدم بارد وباحتفالية غرائبية وتشمتية غريبة هي الأخرى لا تدل على فرديتها وشخصانيتها الإجرامية قدر كونها جريمة جماعية منظمة من النسق الذي يكون فيه مجموعة من \"الناس\" يقومون بقتل مجموعة اخرى من الناس ما يدل على وجود قصد مبيت وعن سبق الإصرار والترصد لسلوك إجرامي قطيعي وعملية الفتك البربرية هذه ـ وغيرها ـ تحتاج الى سلسلة من البحوث والدراسات من قبل مختصين ومعنيين بالدراسات النفسية والاجتماعية والانثروبولوجية والطبوغرافية فضلا عن مراكز البحوث والدراسات ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحقوقية والقانونية والمتشرعين وفقهاء الدين وغيرهم ولا باس بالاستعانة بالخبرات الإقليمية والدولية (مؤسسات الأمم المتحدة مثلا)... للكشف عن الدواعي السايكلوجية والسيوسولوجية وملابسات ارتكاب جرائم كبرى ونوعية بحق الإنسانية تتمثل بقيام مجاميع مسلحة بقتل مجاميع أخرى من الناس الأبرياء والعزل بشكل حيواني لمجرد التنفيس عن احتقان طائفي / مناطقي ضمن سيناريو هيجان طائفي/ شوفيني مبيت استهدف العراق ككل وبجميع ألوان طيفه المتعايش سلميا تعايشا مقبولا في ابسط حدوده الدنيا ..
ورغم إن السلوك السيكوباثي الذي رافق مذبحة العرس ينمُّ عن توجه مجاميعي قطيعي (مجموعة أفراد) وليس توجها جمعيا تعبويا سواء من النواحي السايكلوجية او السيوسولوجية او كمخيال جمعي او جماعي كما انه ليس له حضور في أية سرديات تعبر عن هوس طاغ ٍ ومفعم بالطوائفية او المناطقية او العنصرية او الحزبوية ورغم انه سلوك قطيعي محدد ومناطقي نسبي ورغم انه لم يرتق ِ الى مستوى المذابح الأهلية التي حصلت في رواندا او ليبريا او أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، إلا إنها تمثل حالة مجتمعية خطيرة جدا ونزعة نفسية سادية شاذة رغم جزئيتها ومحدودية نطاقها المجتمعي والمناطقي والطائفي وجدت لها بؤرا عششت فيها واستغلت فترة الانفلات الأمني والسقوط الدولتي والضعف الحكومي وتداخل الملفات الإقليمية ذات الأثر السلبي على المشهد العراقي ومضاعفات الوجود العسكري الأمريكي كقوات احتلال كل ذلك ساهم في تفعيل هذه النزعات الطارئة على النسيج المجتمعي العراقي ..لذا يجب أن تتحرك مراكز الأبحاث والدراسات خاصة تلك المعنية بالتوجهات النفسية والاجتماعية والانثروبولوجية الى دراسة هذه الظاهرة الخطيرة من الظواهر الطارئة على المجتمع العراقي من كافة جوانبها وأبعادها الحقيقية فضلا عن الدراسات والبحوث المقارنة للوقوف على الحقائق ووضع المعالجات كي لا تتكرر في الأجيال اللاحقة مع تكرار الظروف وتشابه المفاعيل، وكي لا تستغل هكذا ظواهر وأحداث إعلاميا وسياسيا وحزبويا كما حدث لهذه المأساة التي لم تأخذ بعدها القانوني او البحثي او الفقهي وحتى الإعلامي بما يتناسب وحجمها الطبيعي وهو حجم خرافي بكل المقاييس .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]