- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التنمية البشرية بين ثقافة القراءة وصناعة الكتــاب
حجم النص
بقلم : أ.د عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
التأريخ القديم والحديث يشير للاصدارات المتميزة للكتب العربية العلمية بأعدادها ونوعيتها وموضوعاتها ولا اريد أن اشير للعهود القديمة كالفرعونية والبابلية والاكدية والسومرية أو العهد الاسلامي الذي انتشرت اصداراته في جميع بقاع العالم ولكن بودي أن اشير لعهد غير بعيد بلغ فيه الاعتزاز والتباهي بالكتاب حدا بعيداً في دول كالعراق ولبنان والمغرب ومصر التي شاركت في معرض الكتاب الصناعي الدولي في لندن عام 1851 بكتب علمية بلغ عددها 391 تشير لبعض الصناعات المصرية بالاضافة لنسبة عالية منها بالتخصصات الطبية وكانت حصيلة تعاون مطبعة بولاق القاهرية مع مدرسة الطب البشري التي اسسها محمد علي باشا الكبير في اواسط القرن التاسع عشر والتي كانت تعتمد علي المستشفى العسكري وانتقلت فيما بعد الى قصر احمد بن العيني لذا سميت فيما بعد بأسم كلية طب القصر العيني . لقد كانت الكثير من الكتب اما مترجمة عن كتب فرنسية والقسم الاخر مؤلفة اصلاً باللغة العربية . وقد احتفظت بعض المكتبات العالمية كجامعتي لندن ونيويورك ببعض تلك الكتب اضافة الى الكتب التي كانت تصدر في جميع البلدان العربية ولكن للاسف لم نجد نماذج لمعظم تلك الكتب في المكتبات العربية .
ومما يؤسف له أن ظهور ثقافة تدمير الكتب وعدم الاحتفاظ بها او إحرقها ارتبط بأغراض تتعلق بمواقف فكرية ودينية وسياسية فضلاً على الجماعات الجاهلة وهذا ما أقر به الفنزويلي ( فرناندو بياز ) بعد اثني عشر عاماً من البحث والتحقيق والتقصي والدراسة المتخصصة بالمكتبات اذ اشار الى ما تم تدميره من التراث العراقي المكتوب وماالحقه ذلك من خسارة بالذاكرة العراقية بسبب تدمير الكتب وعدم الاحتفاظ بها وعلى مر العصور واصدر فرناندو بياز كتابه ( التاريخ العلمي لتدمير الكتب من سومر القديمة الى العراق الحديث ) . واليوم ومع وجود التقنيات الالكترونية يتوجب علينا وضع الاستراتيجيات الفاعلة لبناء ذاكرة وطنية تخزن كل ماانتجته العقول العربية قديماً وحديثاً من كتب ومجلات ومقالات ودراسات في سائر المجالات العلم والثقافة والفكر والمعرفة بالاضافة الى الوثائق والاكتشافات القديمة مع تصميم آلية ميسرة سريعة للبحث والاسترجاع عسى أن نتمكن الاحتفاظ بها مستقبلاً وهي بحالتها الالكترونية . وعلى الرغم من وجود الظواهر السلبية نجد أن الكثير من الايجابيات والاشراقات في تاريخنا القريب كوجود مدن عربية اشتهرت بتعدد ثقافاتها واصداراتها الثره من الكتب بالعلوم المختلفة بالاضافة لاصداراتها الثقافية ولذا ظهر من ابنائها ممن يتمتعوا بعلميتهم وثقافتهم وسعه تفكيرهم وتطلعهم العلمي بالرغم من الحالة والوضع العربي المضطرب بشكل عام وخلال فترة استعماره والحروب التي مرّت عليه والذي يتمثل بعدم الاستقرار والجفاف العلمي والثقافي الفعال . ومما ينبغي العمل عليه سريعاً إزاء ذلك كله بوضع الاستراتيجيات لعوامل التنمية البشرية والنهوض العلمي للمجتمع العربي وضرورة التفكير برعاية وتنشيط ثقافة القراءة مساهمة كخطوة اولى لخطوات ومبادرات لتنمية العقل المتعدد الثقافات . ولنبـدأ بخطوات ضرورية تصب في عملية التنمية البشرية الشاملة واولها التفكير بإيجاد الآليات لرعاية وتنشيط ثقافة القراءة وبالوسائل المتاحة ورقياً أو الكترونياً .
ومن خلال تجربتي الأكاديمية وجدت أن اقامة معارض الكتب الكبيرة وبمشاركة مجموعة من دور نشر وبمختلف التخصصات وذات عناوين كتب متنوعة وتلبي حاجة وطموح ثقافات وعلوم ومهن متعددة ولكافة الاعمار والمؤهلات العلمية والثقافية حينها ستكون هناك فرصة لاطلاع روادها على المعروض من العناوين تستدرج الزائرين لتصفح بعضها لتصبح احتمالية وامكانية شرائها واقتنائها كبيرة جداً ومن خلال متابعتي لمعارض الكتب التي اقيمت في جامعة الكوفة لاربع سنوات 2008 , 2009 و 2010 , 2011 لوحظت الزيادة لعدد زائريها بالاضافة لارتفاع نسبة المبيعات لكل عام قياساً للعام الذي قبله ففي عام 2008 كانت لنا اول تجربة لاقامة معرض للكتب العلمية وبمختلف التخصصات بالاضافة للكتب الثقافية ذات اللغات المتعددة وخصصت له قاعات ذات مساحات واسعة لم يسبق أن اقيم مثله في محافظة النجف وحتى في محافظات الوسط والجنوب مابعد عام 2003 . لقد رأيت مختلف الفئات العمرية تقبل على زيارة المعرض والتصفح والشراء من كبار السن والنساء وطلبة المدارس والجامعات ومن المثقفين وحتى افراد الاسر غير المنتمية للجامعة وحينها ادركت أن القراءة مازالت بخير وأن هناك من يشتري الكتاب رغم التراجع الثقافي والعلمي والمالي الذي حصل للعراقيين خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي وحالة عدم الاستقرار الذي حصل للسنوات الاولى مابعد عام 2003 .
إن تعدد دور النشر وعرض الكتب الاجنبية والجديدة والموسوعات ولمختلف الاعماربالاضافة الى الطباعة الجميلة شجع الكثير على الشراء . لقد تكررت التجربة وبنجاح ملحوظ حيث شهدت المعارض في عامي 2010 و 2011 فعالية اضافية وهي اقامة لمحاضرات وفعاليات فنية وثقافية على هامش المعرض مما اضافت حالة تنموية جديدة وكنت أأمل تحصل هذه التجربة في جميع محافظات العراق وفي جامعاتها لتكون هي الرائدة في عملية التنمية البشرية الشاملة . فهي لاشك تعد من الضرورات باتجاه تدعيم الثقافة والفكر والمعرفة والعلم عبر اوعية الكتب التي مازالت تلعب , رغم دخولنا العصر الالكتروني والرقمي , دوراً متميــزاً في رقي وتقدم المجتمعات .... وتأسيساً على ذلك فإن وزارات الثقافة والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي ومختلف المؤسسات والهيئات والجامعات العراقية عليها دعم موازنات الكتب وحسن اختيار الموضوعات والعناوين التي تطرح في كرنفالات كبيرة لدور النشر وبشكل سنـويّ .
[email protected]
www.razakal-essa.com
www.icajo.com