بقلم: سيف الحمداني
أعلن وزير النقل رزاق محيبس أن العراق سجل خلال السنوات الثلاث الأخيرة قفزة قياسية في حركة الطائرات العابرة والمقتربة من أجوائه، موضحا أن عام 2023 شهد أكثر من 236 ألف رحلة، بينما سجل عام 2024 أكثر من 230 ألفا، وفي النصف الأول من عام 2025 بلغ العدد أكثر من 151 ألف رحلة. هذه الأرقام تؤكد أن العراق بات في قلب السماء العالمية وأن أجواءه تشهد حركة غير مسبوقة تعكس ثقة متنامية من شركات الطيران الدولية بالمجال الجوي العراقي كممر آمن يربط الشرق بالغرب. لكن خلف هذه الأرقام المتصاعدة يبرز سؤال جوهري لم يجد المواطن جوابا عنه حتى الآن: أين تذهب إيرادات رسوم التحليق فوق العراق؟
تُفرض على كل طائرة تعبر الأجواء العراقية رسوم ثابتة تبلغ 450 دولارا، وهو نظام يختلف عن دول المنطقة التي تحتسب الرسوم بحسب وزن الطائرة أو المسافة المقطوعة. وبعملية حسابية بسيطة، فإن الرحلات التي سجلت عام 2023 وحدها تعني أن العراق حصل على أكثر من 106 ملايين دولار، بينما بلغت العوائد المفترضة عام 2024 نحو 103 ملايين دولار، أما في نصف عام 2025 فقد تجاوزت 68 مليونا، ما يجعل المعدل السنوي يربو على 100 مليون دولار تدخل خزينة الدولة بالعملة الصعبة. ومع ذلك، لا يظهر أثر واضح لهذه الأموال في الموازنة العامة ولا تنشر وزارة النقل أو سلطة الطيران المدني أي تقارير محاسبية توضح حجم التحصيل ومصير الأموال أو أوجه إنفاقها.
صحيح أن الوزارة تتحدث عن تطوير أنظمة المراقبة الجوية وتحديث الاتصالات وتدريب الكوادر، وقد شجع ذلك شركات كبرى مثل لوفتهانزا وإير فرانس على العودة للتحليق فوق الأجواء العراقية، غير أن واقع المطارات والخدمات ما زال متواضعا، والبنية التحتية متأخرة، والمشاريع بطيئة التنفيذ، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤل منطقي: لماذا لا ينعكس هذا المورد السيادي الضخم على تحسين الطيران المدني وإنشاء أكاديميات متقدمة وتطوير المطارات بالشكل الذي يليق بحجم الإيرادات؟
الملف برمته يثير شكوكا مشروعة ويفرض على الجهات الرقابية والبرلمان والرأي العام المطالبة بإجابات واضحة، فهل تذهب هذه الأموال مباشرة إلى وزارة المالية؟ أم تبقى بيد سلطة الطيران المدني؟ وهل خضعت يوما لتدقيق ديوان الرقابة المالية؟ ولماذا لا يجد العراقيون أمامهم تقارير معلنة تشرح هذا المورد الذي يمر يوميا فوق رؤوسهم؟
السماء العراقية اليوم مزدحمة بالطائرات، وهذا مكسب استراتيجي واقتصادي لا يمكن إنكاره، لكنّ بقاء عائداته غامضة يجعل الصورة ناقصة. وحين يواصل المواطن مواجهة ضعف الخدمات وعجز الموازنة، فإن التساؤل يصبح أكثر إلحاحا: كم من الأموال تحلق فوقنا كل يوم… ولا تهبط في صالحنا؟
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!