ابحث في الموقع

المستقلون.. حلم التغيير الذي ينتهي داخل السلطة

المستقلون.. حلم التغيير الذي ينتهي داخل السلطة
المستقلون.. حلم التغيير الذي ينتهي داخل السلطة

بقلم: علي مبارك

رغم صعود المستقلين كظاهرة سياسية مثّلت رهاناً شعبياً على التغيير، إلا أن التجربة البرلمانية كشفت عن محدودية حضورهم الفردي أمام بنية سياسية قائمة على التحالفات والكتل. من المعروف أن تنقّل النواب بين الكتل بعد إعلان نتائج الانتخابات، سواء اثناء تشكيل الحكومة أو خلال الدورة البرلمانية، لم يكن مقتصراً على المستقلين وحدهم، بل هو سمة عامة للمشهد السياسي العراقي. هذا المشهد ظهر منذ الدورة البرلمانية الأولى عام 2005، قبل دخول المستقلين بقوة بعد انتخابات 2021، ويعكس حالة عدم الاستقرار التي يعيشها النظام السياسي نتيجة هشاشة البنى الحزبية وتفكك الكيانات السياسية، ومع استمرار ظهور تحالفات جديدة بوجوه قديمة وأخرى جديدة.

في كل دورة انتخابية يبرز الحديث عن المستقلين باعتبارهم بديلاً عن الأحزاب التقليدية، وغالباً ما يُنظر إليهم كفرصة لإحداث تغيير في المشهد السياسي، لكن مع مرور الوقت، ومع بدء التجربة النيابية، يظهر أن جزءاً منهم يميل إلى الاندماج داخل تحالفات السلطة، كما حصل مؤخراً بانضمام بعض أعضاء حركة امتداد وعدد من المستقلين إلى تحالف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني.

هذا السلوك يعكس نمطاً متكرراً، حيث يواجه المستقلون إشكاليات بنيوية تجعل من خيار الاندماج في السلطة أكثر واقعية من البقاء في موقع المعارضة الفردية. ويمكن تحديد أبرز العوامل التي تدفعهم إلى ذلك الآتي:

1- طبيعة النظام الانتخابي: يشكل القانون الانتخابي يُعدّ محدداً أساسياً لفرص المستقلين. فقد وفر قانون انتخابات مجلس النواب لعام 2021، القائم على الدوائر المتعددة، مساحة أوسع للأفراد عبر اعتماد نظام الفائز بالأصوات الأعلى في كل دائرة دون الارتباط بالقوائم. غير أن العودة إلى قانون سانت ليغو المعدل أعادت المنافسة إلى ساحة القوائم والكتل الكبيرة، وهو ما قلّص كثيراً من فرص المستقلين في العمل السياسي المنفرد، وجعل التحالف مع قوى أكبر ضرورة لا خيار ثانوي.

2- حدود العمل الفردي داخل البرلمان: أثبتت التجربة النيابية أن العمل البرلماني لا يقوم على المبادرات الفردية بقدر ما يعتمد على الكتل التي تمتلك القدرة على التفاوض والتأثير في التشريع والرقابة. النائب المستقل، حتى مع الشعبية التي يحظى بها من قواعده الانتخابية، يظل ضعيف التأثير في بيئة سياسية قائمة على التوافقات بين الكتل الكبرى. هذا الواقع يدفع كثيراً من المستقلين إلى البحث عن مظلة سياسية أوسع لضمان فاعلية أكبر.

3- إمكانات السلطة وإغراءاتها: من المعروف أن الكتل المرتبطة برئيس الحكومة تمتلك إمكانيات سياسية وإدارية ومالية وتنفيذية تجعلها أكثر جاذبية من أي خيار آخر، خاصة مع ميل جزء من الناخبين نحو دعم السلطة في الانتخابات. الانضمام إليها يفتح الباب أمام المستقلين للحصول على دعم مباشر او غير مباشر من أدوات الدولة، وهو عامل أساسي في ظل استعداد القوى السياسية المبكر للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

إن انتقال النواب، سواء المستقلين أو المنتمين للأحزاب، بين مواقع المعارضة والسلطة لم يعد مجرد خيار سياسي، بل أصبح جزءاً من واقع سياسي متقلب وغير مستقر. هذه التنقلات، التي باتت تشبه “الانتقالات الموسمية في الأندية الرياضية”، غالباً ما تُحدد وفقاً للعروض والامتيازات أكثر مما تحددها البرامج والمبادئ. وهكذا يبقى المشهد السياسي برمّته هشّاً، مما يجعل أي وعد بالاستقلالية أو الإصلاح عرضة للذوبان داخل تحالفات السلطة القائمة.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!