ابحث في الموقع

التوقيع الإلكتروني في العراق.. إصلاح مؤجل أم شعار انتخابي؟

التوقيع الإلكتروني في العراق.. إصلاح مؤجل أم شعار انتخابي؟
التوقيع الإلكتروني في العراق.. إصلاح مؤجل أم شعار انتخابي؟

بقلم: سيف الحمداني

أثار إعلان الحكومة عن نيتها إدخال التوقيع الإلكتروني إلى منظومة العمل الإداري في العراق جدلًا واسعًا بين من يرى في الخطوة بداية تحول رقمي طال انتظاره، وبين من يعتقد أنها ليست سوى ورقة سياسية مرتبطة بالانتخابات المقبلة. هذا التباين يعكس حجم الفجوة بين الطموح والواقع، وبين الحاجة الملحة للإصلاح وبين التوقيت الذي يثير أكثر من علامة استفهام.

من الناحية النظرية، يمثل التوقيع الإلكتروني حلاً ناجعًا لمعضلات الروتين الإداري، ويغلق أبواب التزوير والابتزاز، ويوفر بيئة شفافة وسريعة لإنجاز المعاملات. في دول مثل الهند وتركيا لم يعد المواطن بحاجة إلى ختم ورقي أو طابور طويل، بل يكفي توقيع رقمي لإتمام عقد أو معاملة في دقائق. وفي الإمارات، صار غياب الورق هو الاستثناء، بعد أن رُسخت ثقافة رقمية متكاملة تحظى بالثقة العامة.

لكن الواقع العراقي يكشف عقبات كبيرة أمام هذا التحول. فخدمات الإنترنت متذبذبة، والكهرباء غير مستقرة، ما يجعل أي اعتماد كامل على نظام رقمي أمرًا محفوفًا بالمخاطر. كما أن البلاد شهدت في السنوات الماضية اختراقات متكررة لمواقع حكومية، وهو ما يثير شكوكًا حول قدرة المؤسسات على حماية بيانات حساسة تخص ملايين المواطنين. يضاف إلى ذلك أن الإطار القانوني لا يزال ضعيفًا؛ فرغم وجود قانون المعاملات الإلكترونية منذ أكثر من عقد، إلا أن غياب التطبيق العملي يجعله بلا فاعلية حقيقية. أما الثقافة المجتمعية فما تزال متمسكة بالورق والأختام بوصفها أوثق وأضمن، بينما كثير من موظفي الدولة يفتقرون إلى التدريب الكافي للتعامل مع الأنظمة الإلكترونية.

هذه التحديات تجعل أي إعلان رسمي خطوة منقوصة إن لم تُدعَم بخطط عملية واضحة. تجارب الآخرين تقدم دروسًا مهمة: في مصر لم ينجح التوقيع الإلكتروني إلا بعد إنشاء هيئة متخصصة وتكثيف التدريب والتوعية، وفي الاتحاد الأوروبي صار ملزمًا بقوة القانون بعد إقرار تشريع موحد منحه مكانة مساوية للتوقيع الخطي. أما في العراق، فإن غياب المؤسسات الضامنة والبيئة المؤهلة يثير الخشية من أن يتحول المشروع إلى مجرد شعار إعلامي.

المواطن العراقي لم يعد يثق بالشعارات البراقة، وهو يريد أن يلمس نتائج ملموسة في حياته اليومية: معاملة تُنجز في دقائق لا أسابيع، ونظام يحمي بياناته بدل أن يتركها عرضة للتلاعب أو الضياع. إذا تحولت الوعود إلى فعل، فإن العراق سيكون قد خطا أولى خطواته في طريق التحول الرقمي الحقيقي. أما إذا ظل المشروع حبيس الخطابات والمؤتمرات، فسيضاف إلى سجل طويل من المبادرات المؤجلة التي لم تتجاوز حدود الدعاية الانتخابية.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!