- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الكهرباء.. قصة الإخفاق العراقي الكبير - الجزء الأول

بقلم: نصيف الخصاف
كتب الأستاذ لؤي الخطيب وزير الكهرباء العراقي السابق، مقالاً بعنوان (الإصلاح القانوني والمؤسساتي والاقتصادي لقطاع الطاقة في العراق) نُشر على موقع (الطاقة)، تضمن الكثير مما يستدعي الرد الذي أتمنى أن لا يُفسِد الود مع الأستاذ الخطيب، ومن بينها المقترحات التي عرضها لحل أزمة (الطاقة، وليس الكهرباء حسب) التي منها -مثلاً- “تتعاون الوزارة القطاعية مع شركة استشارية عالمية مختصة لإعادة هيكلة الشركات العامة…” مع أنّ الشركات العامة كانت تنتج 90% من حاجات الأسرة العراقية قبل مشروع “الخصخصة” الذي وضع أسسه بول بريمر، وكرسته شروط البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لمنح العراق قروضاً، بتنا ندفع سنوياً فوائد مليارية، تثقل كاهل ميزانية الدولة.
فقد دفع العراق منذ سنة 2009، ولغاية 2023، ما يزيد على ثلاثة وعشرين ترليون دينار كفوائد على القروض فقط. (أنظر الجدول رقم (1) أدناه)، ودفعنا “سلفاً” للعاملين في المعامل والمصانع التي لم نعيد تأهيلها، منذ 2003، بدعاوى “الخصخصة” ما يزيد على الخمسين ترليون دينار، كان يمكن تجنبها لو أعيد تأهيل تلك المعامل والمصانع، حتى لو كانت “خاسرة” لأن “الخسارة” في حالة عملها ستكون أقل بكثير مما لو بقيت معطلة تماماً.
جدول رقم (1) حجم فوائد الديون استناداً إلى قوانين الموازنات للسنوات المبينة في الجدول
ولا أريد مناقشة تفاصيل أخرى وردت في المقال، لكن سأركز فقط على فوضى إدارة قطاع الكهرباء في العراق منذ 2003، ولغاية 2025.
أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار من أجل إعادة بناء شبكة الكهرباء في العراق[1]. فقد خصص الكونغرس مبلغ 5,56 مليار دولار، أو حوالي نسبة 30 بالمئة من تخصيصات صندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق الثاني (IRRF2) إلى قطاع الكهرباء عندما صادق على قانون التخصيصات التكميلية في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003.
وعندما أغلقت سلطة الائتلاف المؤقتة أبوابها في 28 حزيران/يونيو 2004، سجل معدل الإنتاج اليومي للطاقة في العراق 200 ميغا واط أقل من هدفها البالغ 6 آلاف ميغا واط.[2]
من المشكلات المتكررة منذ 2003، هي استيراد ونصب توربينات لتوليد الكهرباء تعمل على الغاز، مع انعدام وجود وقود الغاز في العراق، وأصابت هذه المشكلة كل الحكومات العراقية التي أعقبت سلطة الائتلاف بقيادة بريمر، كأنها لعنة لا تزول.
“خصّص الأمريكيون العاملون في وزارة الكهرباء العراقية مئات ملايين الدولارات من أجل شراء المولدات التي تستخدم الغاز الطبيعي وقوداً لها، وتركيبها في محطات الكهرباء في مختلف أنحاء العراق، لكن برزت مشكلة عدم وجود أنابيب لنقل الغاز إلى محطات الكهرباء.
لم تُظهر وزارة النفط العراقية اهتماماً خاصاً بتلك المشاريع، وهو الأمر الذي من شأنه تأمين المزيد من العملة الصعبة للبلاد التي بتنا ننفقها على استيراد الغاز من إيران بمبالغ كبيرة كل عام. وبسبب هذا الوضع، و”من أصل ستة وعشرين محركاً توربينياً يعمل على الغاز الطبيعي، التي رُكّبت في سبع محطات في العراق كلّف كل واحد منها مبلغاً يتراوح ما بين عدة ملايين إلى أكثر من 40 مليوناً من الدولارات، لم يعمل فعلا ً إلا سبع توربينات”[3].
ذكرت مجلة الإيكونومست البريطانية في آذار 2014، أن “الحكومة العراقية باستثناء إقليم كردستان، لا يمكنها أن تضمن لشعبها تزويده بطاقة كهربائية يعتمد عليها ليوم كامل من دون انقطاع، وفي الوقت الذي تستمر فيه عملية حرق الغاز، فإن العراق يقوم باستيراد الغاز الطبيعي من الجارة إيران بأسعار أوربية عالية، ويشتري الكهرباء من البارجات التركية في الخليج”[4].
وأشارت المجلة البريطانية في تقريرها إلى أن “الطاقة المنتجة البالغة [5]13 غيغاواط ما تزال تمثل ربع الطاقة الكلية التي يحتاج إليها العراق، وهي قدرة تكاد تكون خجولة إزاء الطاقة الكهربائية التي سيحتاج إليها العراق بحلول العام 2030 والبالغة 42 غيغاواط”.
ولفتت المجلة إلى أن “هذا الوضع سيزيد من معاناة الناس في حياتهم اليومية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف فضلاً عن الأضرار المترتبة على التنمية الصناعية في البلد”، مؤكدة أن “الاستفادة من الغاز المحروق سيساعد في حل المشكلة”.
المصادر:
[1] ت. كريستيان ميلر، ضريبة الدم، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت: لبنان، 2010، ص440.
[2] الحكومة الأمريكية، الدروس القاسية، تجربة إعادة إعمار العراق،واشنطن، 2009، ص194.
[3] المصدر السابق، ص452.
[4] مجلة الايكونوميست البريطانية، 2 آذار 2014.
[5] كان ذلك سنة 2014، والأمر يزداد تفاقماً منذ ذلك التاريخ.
أقرأ ايضاً
- قانون هيلمز- بيرتون.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء السابع
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الخامس والعشرون
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الرابع والعشرون