بقلم: علي حسين
انشغلت صحف العالم قبل ايام قليلة بخبر الحكم على الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي بالسجن خمس سنوات بتهمة الحصول على تمويل من ليبيا لحملته الانتخابية عام 2007. وكنا قد تابعنا قبل هذا الخبر بسنوات قرار القضاء الفرنسي بالحكم على الرئيس جاك شيراك بتهمة استغلال المنصب.
استغلال المنصب والحصول على تمويل تهمة مضحكة في بلاد الرافدين، فماذا تعني ان يستغل المسؤول وظيفته، ويستثمر النائب مكانته في صفقات وعمولات. في بلاد الرافدين نسمع عن الاستغلال في كل مفاصل الدولة، مثلما نسمع الاغاني ونعرف جيدا أن "حيتان" ما بعد 2003 لم يتركوا مجالاً دون أن يستغلوا نفوذهم فيه، هم وأقاربهم وأحبابهم؟.
منذ أن قرر "المناضل" احمد الجبوري الملقب بأبو مازن فتح بورصة المناصب داخل قبة البرلمان، ونوابنا الأفاضل السابقون منهم واللاحقون، مصرون على تحويل قاعة البرلمان إلى سوق تعرض به أصناف الوظائف، المطلوب فقط الدفع بالدولار ثم تجلس على كرسي الوظيفة، هكذا تحولت الديمقراطية في العراق من ممارسة حضارية تستند على القانون، ووسيلة لخدمة الناس إلى مزايدات، لتكتب في النهاية شهادة وفاة للتغيير الذي كان ينتظره المواطن العراقي الذي عاش عقودا من الظلم، ليجد نفسه اليوم في ظل نظام سياسي يرفع شعار المحسوبية ويبيح سرقة المال العام.
وأتمنى وأنت تتابع معي ما يجري في بلاد الرافدين، ان تعرف ان الصحافة في فرنسا اعتبرت الحكم على ساركوزي لحظة فارقة في تاريخ العدالة.
والآن، هل جنابك مُصرّ على معرفة الفرق بين ديمقراطيتنا "العظيمة" وديمقراطية فرنسا العرجاء؟.. هل تريد أن تعرف الفرق بين ساركوزي ومسؤولينا الأشاوس، اذا عليك ان تحفظ هذه العبارة جيدا: سجن الرئيس لمخالفته الدستور.. فانت وانا نعيش في ظل عملية ديمقراطية سمحت لمن نهب وسرق وقتل على الهوية ان يظل صاحب الصوت الاعلى!.. اما في باريس فقد تصدرت صورة ساركوزي رهن الاعتقال الصفحات الأولى.. فالخطأ هناك لا حماية له، كما أن القانون ليس رجلاً، ولا مزاجاً شخصياً.
في الديمقراطيات الحقيقية يتجاوز الاعلام حدود المحرمات السياسية، وعندما يخطا السياسي او المسؤول تصبح كل افعاله تحت رحمة الصحف والفضائيات. وقبيل خروج ساركوزي من قصر الإليزيه وبعده صدرت عشرات المقالات والكتب عن قضاياه الشخصية. وقبله بدأت الصحافة تدخل إلى أسرار جاك شيراك لكي تنبش فيها. ودمرت الصحافة الفرنسية مستقبل الرئيس جيسكار ديستان السياسي.. فيما نحن لا نزال نصر ان نغلق ابواب الحقيقة امام الناس ونطارد الصحفي إذا تجرأ وكشف المستور ونحاكمه بتهمة المحتوى الهابط.
إحفظ هذه الكلمات جيدأً.. سجن الرئيس.. فأنت وأنا نعيش في ظل عملية ديمقراطية سمحت لمن نهب وزوّر أن يظل صاحب النفوذ الاقوى!
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!