ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة حراكاً سياسياً كردياً مكثفاً لحسم منصب رئيس الجمهورية، الذي يخضع حالياً لمفاوضات شاقة بين الأحزاب الكردية، في إطار مبدأ "المحاصصة" المعمول به في العراق منذ عام 2003.
وتتركز الخلافات بصورة أساسية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين والحاكمين في إقليم كردستان العراق، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على مدينة أربيل، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يحكم مدينة السليمانية.
ووفق الدستور العراقي، تبدأ إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة بمصادقة المحكمة الاتحادية على قوائم النواب المنتخبين، يعقبها عقد الجلسة الأولى لمجلس النواب، حيث يؤدي النواب البالغ عددهم 329 نائباً اليمين الدستورية، ثم يتم انتخاب رئيس المجلس ونائبيه. وبعد ذلك، يفتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية لمدة ثلاثة أيام، وفق شروط قانونية تشمل بلوغ المرشح سن الأربعين، وحصوله على شهادة جامعية، وتمتعه بخبرة سياسية وسيرة حسنة، على أن يتم انتخاب الرئيس خلال جلسة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ الجلسة الأولى للبرلمان.
وعقب انتخاب رئيس الجمهورية، يكلف الرئيس الجديد مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر عدداً بتشكيل الحكومة، ليقدم الأخير برنامجه الوزاري خلال مدة أقصاها 30 يوماً، تمهيداً للتصويت عليه ومنح الحكومة الثقة، لتباشر عملها بكامل الصلاحيات الدستورية، فيما يبدأ البرلمان ممارسة دوره الرقابي والتشريعي. ووفق مبدأ "المحاصصة" المعتمد في العراق، فإن منصب رئيس البرلمان من حصة الأحزاب السنية، ورئاسة الحكومة من حصة الأحزاب الشيعية، بينما يعد منصب رئاسة الجمهورية من حصة الأحزاب الكردية.
وبعد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد، التي شهدت انتخاب هيبت الحلبوسي رئيساً للبرلمان، انتقلت الأنظار إلى الأحزاب الكردية، التي لا تبدو حتى الآن متفقة على مرشح واحد لمنصب رئيس الجمهورية، في ظل خلافات عميقة بين الحزبين الكبيرين. ويأتي هذا التنافس رغم أن المنصب كان محسوماً في الدورات السابقة لمصلحة الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يقوده بافل طالباني، نجل مؤسس الحزب الراحل جلال طالباني.
وخلال الفترة الماضية، شهدت مدينتا أربيل والسليمانية سلسلة من الاجتماعات بين الحزبين، لم تسفر عن نتائج ملموسة، في ظل تمسك كل طرف بالمنصب. ويحمّل قياديون في الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب الديمقراطي، بزعامة مسعود بارزاني، مسؤولية الانسداد السياسي القائم، معتبرين أن إصراره على الجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الإقليم يعرقل التوصل إلى توافق.
وفي هذا السياق، قال القيادي في الاتحاد الوطني غياث السورجي إن "المباحثات لا تزال مستمرة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني للتفاهم حول منصب رئيس الجمهورية وحكومة الإقليم، إلا أن الحزب الديمقراطي يعرقل ملف رئاسة الجمهورية، بإصراره على انتزاع المنصب مع الاحتفاظ برئاسة الإقليم، وهو ما تسبب في تأجيل تشكيل حكومة الإقليم وحسم الملفات العالقة".
وأضاف في تصريحات صحافية أن "رئاسة الجمهورية تمثل استحقاقاً للاتحاد الوطني وفق العرف السائد منذ عام 2003، وجميع الكتل السياسية دأبت على التصويت لمرشح الاتحاد الوطني التزاماً بهذا العرف".
وشهدت الأيام الماضية تحركات سياسية مكثفة، تمثلت في زيارات متبادلة لوفود من الحزبين الكرديين إلى بغداد، من بينها زيارة القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني، الذي التقى فيها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، وآخرين. كما سبقت ذلك زيارة وفد من الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة قوباد طالباني، أجرى بدوره لقاءات مع عدد من القيادات السياسية.
وفي الوقت نفسه، استقر رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في بغداد منذ أيام، في إطار مساع يبذلها الحزبان لإقناع القوى السياسية الشيعية والسنية بدعم مرشحيهما، إذ يسعى كل طرف إلى حشد التأييد لمرشحه داخل أروقة بغداد.
مرشحون لمنصب رئيس الجمهورية في العراق
وفي هذا الإطار، أكدت ثلاثة مصادر سياسية مطلعة، أنّ "الاتحاد الوطني الكردستاني رشح رئيسه بافل طالباني لمنصب رئيس الجمهورية، غير أن هذا الترشيح قوبل برفض سريع من بعض القوى السياسية في بغداد، لأسباب من بينها عدم إتقانه اللغة العربية".
وأوضحت المصادر أن "الاتحاد الوطني طرح أسماء بديلة، من بينها خالد شواني وزير العدل، ونزار آميد وزير البيئة السابق، وريبوار طه محافظ كركوك".
في المقابل، أفادت المصادر بأن "الحزب الديمقراطي الكردستاني يمتلك بدوره قائمة من المرشحين، تضم فاضل ميراني، وفؤاد حسين وزير الخارجية، وريبر أحمد وزير داخلية الإقليم السابق"، مشيرة إلى أن "المباحثات لا تزال مستمرة، في وقت تتجنب القوى السياسية في بغداد الانحياز العلني لأي مرشح، خشية التورط في الخلاف الكردي الداخلي، مفضلة إبقاء الأزمة ضمن (البيت الكردي) إلى حين نضوج توافق نهائي".
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون الكردية كفاح محمود، أن "إشكالية رئاسة الجمهورية في العراق لا تنحصر في البيت السياسي الكردي، بل هي جزء من أزمة أوسع تطاول البيت الشيعي والبيت السني أيضاً"، مشيراً إلى أن "تحالف الإطار التنسيقي لم يتفق حتى الآن على مرشح لرئاسة الحكومة، كما واجه التحالف السني بدوره صعوبات في حسم منصب رئاسة البرلمان". وأشار خلال تصريح صحافي إلى أن "العرف السياسي خصص منصب رئيس الجمهورية للأكراد عموماً، وليس لحزب بعينه، غير أن حصر المنصب بالاتحاد الوطني جاء نتيجة اتفاق سياسي أبرم عام 2005 بين مسعود بارزاني وجلال طالباني".
وأضاف محمود أن "هذا الاتفاق انتهى فعلياً بوفاة طالباني، ما يستدعي التوصل إلى اتفاق كردي جديد يفتح باب التنافس أمام مختلف القوى السياسية الكردية". ورجح أن "يدفع الحزبان بمرشحين متعددين في الجولتين الأولى والثانية من التصويت، لتنتقل الكفة لاحقاً إلى الأحزاب الشيعية"، مؤكداً أن "ما يجري لا يعكس حالة سياسية مريضة، بقدر ما يمثل ظاهرة صحية في إطار التجربة الديمقراطية العراقية".
التعليقات
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!