مثلما كانت محافظة البصرة صاحبة اكبر عدد من مزارع النخيل فان قضاء الهارثة الواقع شمال شرق المحافظة على الضفة الشرقية لنهر الفرات ويبعد حوالي (30) كيلومترا عن مركز البصرة يعتبر من المناطق الزراعية وفيها كثافة من النخيل، وجميع ساكنيه هم من عشاق الامام الحسين (عليه السلام) اجيالا بعد اجيال، ومثل باقي مناطق العراق تعرض هذا القضاء الى الظلم والقهر والطغيان خاصة بما يتعلق بالقضية الحسينية وشعائرها ومنعها والحاق الاذى بمن يقيمها، لكن اهلها تمسكوا بالحسين (عليه السلام)، وكانوا يقيمون المآتم والعزاء سرا في البساتين ويضعون حراسا يبلغونهم اذا ما قدم جلاوزة البعث الكافر، ومن ان انفرجت الامور حتى اصبحت الهارثة باجمعها مضيفا تستقبل مئات الالاف من الزائرين سنويا.
في ايام الجور
يسرد خادم موكب ابو الفضل العباس في منطقة العودية بقضاء الهارثة "سليم خضر المحمـداوي" لوكالة نون الخبرية تاريخ الخدمة الحسينية في القضاء ومواقف الرجال فيها قائلا لوكالة نون الخبرية ان" اهالي القضاء ومن القدم تربطهم بالامام الحسين (عليه السلام) وشهداء الطف علاقة قوية وحميمية، ودبوا اجداد اجدادنا واجدادنا وآبائنا على اقامت الشعائر الحسينية في البصرة وكربلاء المقدسة، وحتى في نهاية العقد السبعيني والعقدين الثمانيني والتسعيني عندما منع نظام الطاغية المقبور اقامتها لم تنقطع عندنا، وكنا نقيمها بشكل سري ومخفي عن اعين جلاوزة النظام والبعث الكافر، ورغم المطاردات والمراقبة الشديدة كانت شعائر الحسين تقام في منطقة العودية في بساتين النخيل في عمق المنطقة باتجاه النهر كونها كانت زراعية بالمطلق محصورة بين شط العرب والشارع العام الرابط بين البصرة وميسان، وكنا ننشر مجموعة من الشباب في بدايات البساتين متخفين يرصدون حركة ازلام السلطة وجواسيس البعث واذا ما شاهدوا اي حركة مريبة منهم يأتون مسرعين ويبلغون المعزين ليتفرقوا بسرعة حتى لا يقعوا بأيديهم، وكانت اغلب الشعائر هي اقامة المآتم الحسينية وابرزها مجالس اللطم، كما تحيي نسائنا مجالس الحسين (عليه السلام) داخل البيوت وبدعوات للمعزيات خاصة وسرية ايضا، اما الطعام فكان يطبخ داخل البيوت سرا ويوزع بالخفية عن طريق النساء وتحت العباءة لان عيون ازلام السلطة تدقق على حركات الرجال اكثر من النساء، ورغم المنع الصارم الا ان مجموعة من الرجال كانوا يسيرون الى كربلاء سرا وفي مقدمتهم المرحوم "الملا عبد الحسين جاسب" المعتمد من وكلاء المرجعية الدينية ويقود القافلة ويوجهنا ونسير تحت اوامره، ومدة السير من البصرة الى كربلاء تستمر في ذلك الزمان لمدة (25) يوما لانها متقطعة وفي بعض الاحيان لا تخرج من البيت الذي آواك لوجود مراقبة من الامن".
اليسر بعد العسر
سقط الطاغية الملعون في العام (2003) وزالت اساليبه الاجرامية القمعية وانفرجت الامور عن تلك الاجواء يقول "ابو حيدر" ان" الايام التي تلت سقوط النظام البعثي توافقت مع قرب حلول الزيارة الاربعينية وكانت الناس فيها ما زالت متخوفة من بطشه، ولكننا نصبنا موكب لخدمة "المشاية" التي انطلقت بالملايين من البصرة الفيحاء، ولم نكن مستعدين لهذا الامر فقامت نسائنا بطبخ كل المؤونة الموجودة في البيوت لاطعام الزائرين واشترينا بما في جيوبنا مواد غذائية لاطعامهم، ولكوني من اوائل الزوار "المشاية" من البصرة الى كربلاء وجدت ان الزائر بحاجة ماسة التي الخدمة وتحديدا الطعام والشراب والمبيت والحمام، واجتمعنا في منطقتنا واقترحنا نصب موكب ابي الفضل العباس (عليه السلام) لخدمة الزائرين سنويا وكان الدور الكبير للخادم الحاج "قاسم عاشور" احد وجهاء المنطقة، فكان اول عمل هو جمع مفردات الحصة التموينية وجمع مبالغ معها لتوفير الطعام للزائرين، وكانت البداية بخيمة صغيرة ومروحة عمودية واحدة، وعلى مساحة لا تتجاوز (6) امتار مربعة الى ما نحن عليه الآن حيث وصلت المساحة الى (120) متر مربع وتقديم مختلف انواع العصائر بعد توفير مكائن خاصة لاعداد العصير وانواع كثيرة من وجبات الطعام مثل السندويجات واللحم والدجاج والسمك، وحاليا اصبحنا نقدم الفطور الصباحي من الثانية ليلا الى الخامسة صباحا ووجبة الغداء من الثامنة صباحا الى وقت صلاة الظهر، ومعها اللبن والشاي والقهوة العربية والتمر والرطب والعصائر، وبدأنا بشخصين وعجوز انا والحاج "قاسم عاشور" والمرحومة امه التي تعتبر من مؤسسي الموكب، حتى وصل العدد الى (60) خادم مع اهالي المنطقة الذين يأتون لنيل الاجر والثواب ويعملون بثلاث وجبات نهاري وليلية ووسطية، ومع خدمات الموكب خصصت ديوان بيتي الذي تبلغ مساحته حوالي (50) مترا مربعا لمبيت الزائرين وتقديم الخدمة لهم، كما تتكفل نسائنا بمبيت النساء وتقديم جميع وسائل الخدمات لهن ولأطفالهن".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي







التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!