- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
طريق التنمية الستراتيجي الدولي بين الآمال والتحديات
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرف رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني طريق التنمية الستراتيجي الدولي بإنه "شريان اقتصادي وفرصة واعدة لألتقاء المصالح والتأريخ والثقافات" خاصة بين آسيا واوروبا . ألتفاتة نوعية لمشروع حيوي جيوسياسي – اقتصادي ترجم في إطار جلسة تنويرية بحثت الافكار العامة للمشروع في مؤتمر بمشاركة وزراء نقل 9 دول جارة شقيقة وصديقة للعراق:
تركيا ، ايران ، المملكة العربية السعودية ، دولة الامارات العربية المتحدة ، المملكة الاردنية الهاشمية ، سوريا ، الكويت ، قطر وعمان مع ممثلين عن الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي . فهل سينجح العراق بإعتباره عقدة جيوستراتيجية واقتصادية حيوية بين آسيا وأوروبا في مواجهة التحديات القائمة أوالمتوقعة تحقيقا لآمال عراض مضمونها أستثمار إيجابي وقيم لإمكانات او قدرات بلدنا البشرية والاقتصادية – المالية والتقنية وصولا للتنمية الانسانية المستدامة ؟
السيد دولة رئيس الوزراء العراقي أكد أن "طريق التنمية بما يحمله من منصات للعمل ، وقيمة مضافة للنواتج القومية والمحلية ، ورافعات اقتصادية ، وهو خطة طموح ومدروسة لتغيير الواقع نحو بنية اقتصادية متينة". من منظور حيوي أكد السيد السوداني: أن الحديث تراكم "عن التنويع الاقتصادي، ومواجهة آثار التغيير المناخي" مسألة تستدعي بالضرورة بذل "الجهود التي تعالج هذه المؤثرات ...لافتا إلى أن هذا المشروع ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي ، وعقدة أرتباط تخدم جيران العراق والمنطقة". من هنا ، اعتبر ايضا أستكمال المراحل النهائية لمشروع الفاو الكبير بوابة لتحرك جيوسياسي – اقتصادي ينعش أمالا عريضة لتنمية مدنا حضرية مهمة تؤسس ألى جانبها - وفقا للرؤية الستراتيجية للحكومة العراقية التي تغطي 50 عاما من أحتمالات التطور التقني - "مدينة صناعية ذكية هي الاحدث في المنطقة والعالم". أو ربما ايضا مدنا صناعية ذكية متعددة .
ترتيبا على ذلك ، وعد رئيس الوزراء العراقي بقيام شراكة اقتصادية " تجعل بلدنا مصدرة للصناعات الحديثة والبضائع ، وسنعتمد في كل هذا على الممرات متعددة الوسائط ، واكثر من (1200) كم (745 ميل) من السكك الحديدية ، وتشغيلها البيني المشترك ، والطرق السريعة". لعل مرحلة الانطلاق العملي لتنفيذ المشروع تستند لدعوة عراقية رسمية تطلب من الاعضاء المشاركين جميعا رسم خارطة واضحة تحدد الاهداف الستراتيجية والاقتصادية المؤمل أنجازها في مجال النقل والمواصلات مقترنة بآلية ليست غريبة او جديدة عن مقترحات مؤتمرات دولية واقليمية متعددة سابقة للمؤتمر الاخير دعت وتدعو اساسا لتشكيل لجان فنية متخصصة تضع تصورا شاملا عن طبيعة وحجم مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في المشروع المعني . بطبيعة الحال فإن مدى أهمية دور وكفاءة اللجان في إنجاز الادوار المهنية – الفنية سيعتمد على مدى حسن أختيار العناصر ذات الكفاية والخبرة التخصصية المناسبة لعضوية هذه اللجان. ولعل نجاح اللجان في أداء مهامها يعد فاتحة خير لتنمية شاملة انسانيا . ولكن تجارب اللجان في العراق وفي غيره من دول العالم التي تخلفت نسبيا عن ركب الحضارة او لم تصل لها لازالت في مراتب متدنية في مجالات التنمية الانسانية وبالتالي لاتوحي بالثقة الكافية للمواطنين وخاصة للفئات المهمشة والمحرومة .
ترتيبا على ما تقدم فإن لغة الارقام التي يفترض إنها استندت لدراسات الجدوى الاقتصادية تشير بأن تكاليف المشروع التقريبية او النسبية متوقع أن تبلغ 17 مليار دولار وهي ايرادات عالية ومهمة ، بينما يتوقع أن تبلغ ايرادات المشروع 4850 مليار دولار سنويا وهي الاخرى عالية ومهمة يمكنها أن تعزز الاقتصاد العراقي في حال النجاح في استثمارها فعليا بشكل ايجابي مثمر. علما بإن الطاقة المتوقعة للنقل في المرحلة الاولى تصل إلى 3.5 ملايين حاوية سنويا ، و22 مليون طن بضائع ، وخدمة قرابة 15 مليون مسافر سنويا. هذا وقد تمت الاشارة ايضا إلى أن المشروع يمكنه استيعاب 100 الف فرصة عمل جديدة للشباب العراقيين. ارقام ستتصاعد ولاشك بأستمرار كلما نجح حجم ما يرد من ايرادات سنوية التي على ضوئها سيتم تلبية مطالب جديدة من خلال بناء توسعات اضافية حديثة تواكب متغيرات التنمية الانسانية المستدامة بشكل تراكمي زمنيا حيث يفترض أن تنجز المرحلة الاولى في عام 2028 ، والثانية في 2038 والاخيرة في 2050. تصور إيجابي آخر يؤكد ايضا أن 10 محافظات عراقية على الاقل ستشهد مشاريع ساندة زراعية وصناعية إنتاجية تدعم سياسة التصدير للمنتج العراقي للعالم الخارجي. الامر الذي يعني بالمقابل ضرورة تنامي نفقات القطاعات الانتاجية في الدولة للقطاع المشترك والخاص. علما بإن الدول المشاركة بالمشروع هي الاخرى وفي مجال التوقعات ستنال حظا وافرا من إمكانية نقل بضائعها بسرعة مناسبة وبيسر إلى الاسواق الاوروبية وبتكاليف اقل - عبر طريق التنمية الستراتيجي الدولي – مقارنة بإستخدام شبكات مياه اقليمية او برية بعيدة نسبيا ومكلفة - ماليا .
مع ذلك فالتساؤل المشروع هل مؤسسات الدولة العراقية المعنية بالنقل والاتصالات وبقطاعات الاقتصاد العراقي الرئيسة على قدر من المسؤولية المهنية العالية أوالتنموية والتقنية المرجوة لإنجاح الشروط الموضوعية لانتقال العراق لمرحلة متقدمة علميا وتقنيا تسهم في إعطاء إنموذجا صالحا للثقة به بصفة مستدامة من قبل دول الجوار او حتى من قبل الدول الاخرى في آسيا التي تود استثمار طريق التنمية الستراتيجي لتصدير بضائعها من آسيا إلى تركيا أولدول الاتحاد الاوروبي ؟ الاجابة المتوقعة ستعتمد على ما يبذله او سيبذله مستقبلا العراق من جهود فعلية في المجالات التنموية ليس فقط في بناء البنية البشرية المتخصصة وهي عملية جوهرية ، بل ومن منظور مكمل لابد من الشروع ببناء حديث يواكب تقدم العصر التقني بشكل يغطي كافة البنى التحتية - وفقا لأعلى المستويات العالمية وافضل المعايير للتنمية بغض النظر عن حجم التكاليف المادية - بصورة تشمل مثلا طرقا ومواصلات أواتصالات متنوعة سريعة وآمنة تمتزج مع شبكات طاقة متجددة او خضراء نظيفة او متنوعة الاغراض ، إذ فقط عندئذ يمكن القول أن بلادنا بحق وصلت إلى نقطة شروع مناسبة واساسية لأنطلاق مشروع حيوي عنوانه : طريق التنمية الستراتيجي الدولي. اما الجانب الاخر لأهمية تجاوز التحديات التنموية بنجاح فالامر يعتمد على مواجهة الرؤى والعقبات البيروقراطية العقيمة مع ايلاء محاربة الفساد مساحة حيوية ضرورية لابد منها . إن تجارب بلادنا في محاربة الفساد لازالت تحتاج للمزيد من التراكم النوعي أتساقا مع جهود قضائية – قانونية محترمة ومقدرة بإمكانها أن تقدم إنموذجا صالحا يمكن الاقتداء به. علما بإن استتباب الامن والاستقرار أساسي بل هو حيوي لأنجاح وحماية مشروع طريق التنمية مايعني ضرورة تقديم كل انواع الدعم الامني لحماية طرق النقل والمواصلات والاتصالات وللبنى التحتية من كل ارهاب او إجرام ردعا لكل من تسول له نفسه الاعتداء على طريق التنمية الستراتيجي من عصابات الارهاب والجريمة المنظمة وغيرها.
هذا ويمكننا أن نشير إلى اهمية بل أولوية بناء فريق تفاوضي على درجة عالية من المهنية والتخصص في مجالات متعددة منها في النقل والمواصلات والاتصالات والبنى التحتية والطاقة المتجددة والتغيير المناخي بل وفي مجالات وقطاعات الاقتصاد التقليدي او السائر في مجال الحداثة (الصناعة والزراعة) اوالقطاعات التقنية الحديثة (الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وغيرها من منتجات الالفية الثالثة) التي توفر حماية وتطور آمن لنظم النقل والمواصلات. إضافة لدراسة وبحث مختلف شؤون التنمية الانسانية المستدامة التي لها علاقة بكيفية تقديم أنموذجا للتعامل الحضاري الانساني المتقدم قيميا - أخلاقيا وتقنيا مع كل المتغيرات التي لها علاقة مباشرة بمشروع طريق التنمية الستراتيجي بغية الوصول لمستويات لائقة بحضارة وادي الرافدين التي تآلقت عالميا في مراحل التقدم بعيدا عن أي تخلف ساد في مراحل التخلف الفكري والابداعي حيث اضحت بلادنا في مراحل عدة ساحة لتصفية الحسابات او محطة لصراعات القوى الاستعمارية او المهيمنة على مقدرات البلاد اقتصاديا والبعيدة عن بناء الانسان او تلبية احتياجاته ومطالبه الجوهرية” ماديا ومعنويا “.
أخيرا لابد للعراق أن يعتمد افضل التجارب الانسانية والتقنية السائدة في نماذج وطرق التنمية الاخرى لدول العالم من ضمنها خطة الطريق والحزام الصينية وغيرها من طرق ومشروعات تنموية عابرة للقارات للاتحاد الاوروبي او للتكتلات الاقليمية الاخرى التي وصلت لمراحل من التقدم الحضاري والتقني خاصة في مجالات النقل والمواصلات والاتصالات الحديثة انعكست على تنمية الانسان بصفة مستدامة.
أقرأ ايضاً
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- اختلاف أسماء المدن والشوارع بين الرسمية والشعبية وطريقة معالجتها
- ما بعد قرار محكمة العدل الدولية.. مجلس الامن على المحك: إما العدالة أو إسرائيل