ابحث في الموقع

المدارس الأهلية في العراق.. جودة تعليم مكلفة

المدارس الأهلية في العراق.. جودة تعليم مكلفة
المدارس الأهلية في العراق.. جودة تعليم مكلفة
تضاعف في الأعوام الأخيرة اعتماد العائلات العراقية على التعليم الأهلي بعدما تراجع أداء المدارس الحكومية التي تشكو من اكتظاظ أعداد الطلبة وضعف في البنى التحتية.

تتناقض مشاهد العام الدراسي في العراق. تلاميذ من الجنسين يسيرون ببطء إلى مدارسهم، وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم، وآخرون من الأعمار نفسها يبدون أكثر ترتيباً وأناقة، وتختلف ألوان ملابسهم عن تلك الاعتيادية، يقفون أمام منازلهم في انتظار قدوم الباص الخاص لنقلهم إلى مدارسهم.

أولئك الذي يتوجهون سيراً على الأقدام يدرسون في مدارس حكومية، أما من ينتظرون الباص فيتعلمون في مدارس خاصة يُطلق عليها العراقيون اسم "الأهلية". والفئتان تعكسان مفارقة صارخة في واقع التعليم في العراق حيث أصبحت المدارس الأهلية عنواناً للجودة الحديثة لأسر، وفي الوقت ذاته عبئاً يُثقل كاهل أسر أخرى تبحث عن توفير تعليم أفضل لأبنائها.

لا تقل رسوم تعليم طالب واحد في مدرسة أهلية في العراق عن مليون ونصف مليون دينار (نحو 1150 دولاراً)، وترتفع في بعضها إلى ضعف هذا الرقم أو أكثر. ويعترف أولياء الأمور بأن اختيارهم المدارس الأهلية ليس ترفاً، بل ضرورة، بعدما بات التعليم الحكومي عاجزاً، بحسب قولهم، عن مواكبة التطور في المناهج أو الوسائل التعليمية أو حتى في بيئة الصفوف التي تفتقر إلى تكييف ومقاعد مريحة.

يتحدث قاسم عبد الرزاق، وهو موظف حكومي في الأربعين من العمر، عن أن راتبه لم يعد يكفي بعدما التحق ولداه بمدرسة أهلية، ويقول: "أدفع نحو أربعة ملايين دينار (3 آلاف دولار) سنوياً لكل واحد منهما، أي ثمانية ملايين (6 آلاف دولار) لكليهما، وأضطر أحياناً إلى الاقتراض أو بيع شيء من أثاث البيت كي أدفع الأقساط. التعليم الحكومي ليس خياراً لأنه يعاني من إهمال كبير، ولا أريد أن يُنهي أولادي دراستهم الأولية والثانوية من دون أساس متين".

على مدى الأعوام الأخيرة، تضاعف اعتماد العائلات في العراق على التعليم الأهلي بعدما تراجع أداء المدارس الحكومية التي تشكو من اكتظاظ الصفوف وضعف البنى، ولا سيما مع استمرار زيادة إنشاء المدارس الأهلية باعتبارها استثمارات مربحة.

تتحدث رُبى كريم، وهي أم لثلاثة تلاميذ في المرحلة الابتدائية، بقلق عن الديون المتراكمة عليها منذ عامين، وتقول: "يعمل زوجي خياطاً، في حين أعمل في متجر لبيع المواد المنزلية منذ أن التحق أولادي بمدرسة أهلية مكلفة جداً، لكنها أفضل في طريقة التعليم. يتحدث ابني الصغير في الصف الرابع الابتدائي الإنكليزية في شكل جيد، وهذه ميزة لا توفرها المدارس الحكومية".

فعلياً باتت عائلات عراقية كثيرة ترى في المدارس الأهلية "طوق نجاة" لمستقبل أبنائها، لكنها تدرك أنها تفرض أعباءً مالية كبيرة تجعلها أحياناً في أوضاع مالية حرجة.

وترى سعاد الجميلي، وهي موظفة في دائرة حكومية ببغداد، إن "المدارس الأهلية تمثل نموذجاً للتعليم العصري الذي يحتاجه العراق، لكنها أصبحت تجارة مربحة أيضاً". وتنتقد سعاد ارتفاع أسعار المدارس الأهلية التي تعتبر أنها "مبالغة". وتقول: "المباني جميلة والصفوف مكيّفة، لكن الأسعار صارت خيالية، كأننّا ندرّس أبناءنا في جامعة أجنبية".

ويؤيد هذا الرأي علي حمزة، وهو موظف في شركة مقاولات، ويؤكد أن "المدارس الأهلية أنقذت أبناءه من بيئة مدرسية تخلق النفور والإحباط، لكن ليست مستوياتها كلها جيدة، إذ يهتم بعض أصحابها بالمظهر أكثر من الجوهر. وهي تبقى في كل الأحوال أفضل من تلك الحكومية التي فقدت هيبتها".

ويُجمع أولياء أمور ومتخصصون على أن "التعليم الحكومي في العراق يعيش تراجعاً خطيراً، ما يجعل الأهالي يشعرون بأن مستقبل أبنائهم بات رهن قدرتهم على دفع الأقساط، وليس كفاءة النظام التربوي".

أيضاً تزداد الإشادة بتقديم بعض المدارس الأهلية وسائل تعليم رقمية، وغرفاً صفية مريحة، وأنشطة تعزز قدرات التلاميذ في مجالات مختلفة، وثقتهم بأنفسهم.

ويوضح حسين السامرائي، وهو مشرف تربوي في إحدى المدارس الأهلية ببغداد، أن "عدد المدارس الأهلية يتجاوز 4500، ويزداد باستمرار، ويعتمد التعليم فيها أساليب حديثة ترتكز على الجانب النفسي في التعامل مع التلاميذ وتنمية مهاراتهم بدلاً من الاكتفاء بتلقين الدروس. وهي تحرص على أن تكون العملية التعليمية تفاعلية، وأن يشعر التلميذ بأنه محور الدرس وليس متلقياً سلبياً. ولدى هذه المدارس كوادر ذات خبرة طويلة تقدّم خلاصة خبراتهم بأساليب أكثر تطوراً ومرونة؛ وباعتبارها مشاريع استثمارية تسعى هذه المدارس إلى النجاح عبر تطوير مستوى تلاميذها باستمرار، وزيادة نسب النجاح والتفوق في الامتحانات الرسمية، وأيضاً توفير أفضل بيئة من أثاث ومختبرات ومكتبات رقمية وأنشطة تحفيزية"، لكنه يعترف أيضاً بأن مدارس أهلية فشلت في تحقيق أهدافها بسبب ضعف إدارتها، ويقول: "حين يقتحم القطاع التعليمي أشخاص لا يتمتعون بخبرة تربوية، ويظنون أن التعليم مشروع ربحي فقط، تكون النتيجة عكسية".



المصدر: العربي الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!